سَنَة، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْء أُطْعِم أَهْلِي إِلَّا شَيْء مِنْ حُمُر، وَقَدْ كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حَرَّمَ لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة، فَأَتَيْت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْت: يَا رَسُول الله، أَصَابَتْنَا السَّنَة، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِم أَهْلِي إِلَّا سِمَان حُمُر، وَإِنَّك حَرَّمْت لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة. فَقَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِين حُمُرك، فَإِنَّمَا حَرَّمْتهَا مِنْ أَجْل جَوَّال الْقَرْيَة -يَعْنِي بِالْجَوَّالِ الَّتِي تَأْكُل الْجُلَّة، وَهِيَ الْعُذْرَة-، فَهَذَا الْحَدِيث مُضْطَرِب، مُخْتَلَف الْإِسْنَاد، شَدِيد الِاخْتِلَاف، وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْأَكْل مِنْهَا فِي حَال الِاضْطِرَار، وَاللهُ أَعْلَم. انتهى.
قلتُ: كلام النووي كلامٌ مفيدٌ، مختصرٌ، وقول ابن عباس بالإباحة قد صحَّ عنه كما في «البخاري»(٥٥٢٩)، واستدل بالآية:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}[الأنعام:١٤٥].
وابن عباس -رضي الله عنهما- قد بلغه النهي الذي في يوم خيبر، ولكنه قال كما في «الصحيحين»(١): لا أدري أنهى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن الحمر الأهلية من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمها البتة يوم خيبر؟
قال الحافظ -رحمه الله- في «الفتح»(٥٥٢٩): والاستدلال بهذا -يعني بالآية المتقدمة- إنما يتم فيما لم يأت فيه نصٌّ عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بتحريمه، والتنصيص على ذلك مقدم على عموم التحليل، وعلى القياس.
وقال -مجيبًا عن احتمال ابن عباس، واحتمال غيره-: قلت: وقد أزال هذه