واستدلوا على أنَّ المقبرة أفضل أنَّ ذلك هو صنيع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقد كان يدفن أصحابه بالبقيع، واستدلوا على الجواز في البيت بأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وصاحبيه دُفِنا في حجرة عائشة، وقد عزا ابن رجب القول بجواز الدفن في البيوت إلى جمهور العلماء كما في «فتح الباري»(٤٣٢).
قلتُ: ومع القول بالجواز في غير المقبرة؛ فلا يخلو من كراهة؛ لأنها قد تتعرض للامتهان، ولما فيه من عَزْلِه عن المقبرة التي هي محل زيارة المسلمين، ودعائهم للموتى فيها، والله أعلم.
ثم إنَّ القول بالجواز -فيما يظهر لي - إنما هو فيما إذا كان في غير البيت، وأما في البيت فلا يجوز؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى أنَّ تتخذ البيوت مقابر.
قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- كما في «السير»(٨/ ٢٩ - ٣٠): وقد نهى -عليه السلام- أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم؛ لصارت المقبرة والبيوت شيئًا واحدًا، والصلاة في المقبرة منهي عنها نهي كراهية، أو نهي تحريم، وقد قال -عليه السلام-: «أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة»، فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبورًا، وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به، كما خص ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خص بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حيًّا وميتًا، في الدنيا والآخرة، وكما خص بتأخير دفنه يومين، ويكره تأخير أمته؛ لأنه هو أُمِنَ عليه التغير بخلافنا، ثم إنهم أخروه حتى صلوا كلهم عليه داخل بيته، فطال لذلك الأمر؛ ولأنهم ترددوا شطر اليوم الأول في موته حتى قدم أبو بكر