ويؤيد ما قاله هذان الإمامان رواية مسلم:«فاقدروا له ثلاثين»، وكذا فإنه قد جاءت أحاديث كثيرة فيها الأمر بإتمام العدة ثلاثين من قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ومن فعله، وقد ساق كثيرًا منها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «شرح كتاب الصيام من العمدة»(١/ ٧٨ - ٨٩).
وأما استدلالهم بأفعال الصحابة المذكورين؛ فالعبرة بما رووا لا بما رأوا، وقد جاء عن غيرهم من الصحابة خلافهم، كعمَّار، وابن مسعود، وأنس، وغيرهم، وهي ثابتة عن المذكورين. (١)
قال الشوكاني -رحمه الله-: والحاصل أنَّ الصحابة مختلفون في ذلك، وليس قول بعضهم بحجة على أحد، والحق ما جاء من الشارع. اهـ
وقال الصنعاني -رحمه الله-: واختلف الصحابة في ذلك، منهم من قال بجواز صومه، ومنهم من منع منه، وعدَّه عصيانًا لأبي القاسم، والأدلة مع المُحَرِّمِين. اهـ
ومع ذلك فقد جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- بإسناد حسن عند ابن أبي شيبة (٣/ ٧١) أنه قال: لو صمت السنة كلها؛ لأفطرت اليوم الذي يشك فيه. وكذلك جاء عن غيره من الصحابة ممن قالوا بالصوم المنع من الصوم.
قال الحافظ -رحمه الله- -في الجمع بين أثري ابن عمر-: فَالْجمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي
(١) أما أثر عمار -رضي الله عنه-، فقد خرَّجناه في «البلوغ»، وأما أثر ابن مسعود -رضي الله عنه-، فأخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ٧١)، والبيهقي (٤/ ٢٠٩) بإسنادٍ حسن، ولفظه: لأن أفطر يومًا من رمضان، ثم أقضيه أحب إلي من أزيد فيه ما ليس منه. وأما أثر أنس -رضي الله عنه-، فأخرجه عبدالرزاق (٤/ ١٥٩)، وابن أبي شيبة (٣/ ٧١) بإسناد صحيح.