للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَصَحّهُمَا دَلِيلًا: أَنّ لَهُمْ ذَلِكَ.

وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ تَيْمِيّةَ، وَبِهِ أَفْتَى الْعَسَاكِرَ الْإِسْلَامِيّةَ لَمّا لَقُوا الْعَدُوّ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ، وَلَا رَيْبَ أَنّ الْفِطْرَ لِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْفِطْرِ لِمُجَرّدِ السّفَرِ، بَلْ إبَاحَةُ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ تَنْبِيهٌ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ فَإِنّهَا أَحَقّ بِجِوَازِهِ؛ لِأَنّ الْقُوّةَ هُنَاكَ تَخْتَصّ بِالْمُسَافِرِ، وَالْقُوّةُ هُنَا لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنّ مَشَقّةَ الْجهَادِ أَعْظَمُ مِنْ مَشَقّةِ السّفَرِ، وَلِأَنّ المَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ بِالْفِطْرِ لِلْمُجَاهِدِ أَعْظَمُ مِنْ المَصْلَحَةِ بِفِطْرِ الْمُسَافِرِ، وَلِأَنّ اللّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الْأَنْفَالُ:٦٠].

وَالْفِطْرُ عِنْدَ اللّقَاءِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْقُوّةِ، وَالنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ فَسّرَ الْقُوّةَ بِالرّمْيِ، وَهُوَ لَا يَتِمّ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ إلّا بِمَا يُقَوّي وَيُعِينُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِطَرِ وَالْغِذَاءِ، وَلِأَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلصّحَابَةِ لَمّا دَنَوْا مِنْ عَدُوّهِمْ: «إنّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ»، وَكَانَتْ رُخْصَةً، ثُمّ نَزَلُوا مَنْزِلًا آخَرَ، فَقَالَ: «إنّكُمْ مُصَبّحُوا عَدُوّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا»، فَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرُوا (١)، فَعَلّلَ بِدُنُوّهِمْ مِنْ عَدُوّهِمْ وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَى الْقُوّةِ الّتِي يَلْقَوْنَ بِهَا الْعَدُوّ، وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ غَيْرُ السّفَرِ، وَالسّفَرُ مُسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْه فِي تَعْلِيلِهِ وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ، فَالتّعْلِيلُ بِهِ اعْتِبَارٌ لِمَا أَلْغَاهُ الشّارِعُ فِي هَذَا الْفِطْرِ الْخَاصّ، وَإِلْغَاءُ وَصْفِ الْقُوَّةِ الَّتِي يُقَاوَمُ بِهَا الْعَدُوّ، وَاعْتِبَارُ السَّفَرِ المُجَرَّدِ إِلْغَاءٌ لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ، وَعَلَّل بِهِ. انتهى. (٢)


(١) أخرجه مسلم (١١٢٠)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) «زاد المعاد» (٢/ ٥٣ - ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>