فهو حرام على المحرم، وإن صاده الحلال لنفسه، وأهدى منه للمحرم فيجوز، وهذا القول قال به أحمد، والشافعي، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور وغيرهم، وهو قول الجمهور، وحجتهم: أنَّ هذا القول يجمع بين الأدلة؛ فإنَّ أكثر الأدلة تدل على الجواز، فيحمل حديث الصعب بن جثامة على أنه صاده لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فعلم ذلك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرده، وذكر له العلة الأصلية من التحريم، وهي (الإحرام)، واستأنس الجمهور على ذلك بحديث جابر بن عبد الله في «سنن أبي داود»(١٨٥١)، والنسائي (٥/ ١٨٧) وغيرهما، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«صيد البر لكم حلال؛ مالم تصيدوه أو يُصَد لكم»، وفي إسناده انقطاع؛ لأنَّ المطلب بن عبدالله بن حنطب لم يسمع من جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-.
وقد صحَّ هذا القول عن عثمان بن عفان، فروى مالك في «الموطأ»(١/ ٣٥٤) بإسناد صحيح أنه أُتي بلحم صيد، فقال لأصحابه: كلوا. قالوا: ألا تأكل أنت؟ قال: إني لست كهيئتكم، إنما صيد من أجلي.
وثبت عن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما-، ما يدل على ذلك.
وهذا القول هو أقرب الأقوال، وهو ترجيح الإمام الوادعي، والإمام ابن عثيمين رحمة الله عليهما، وأما قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ}، فالآية يحتمل أن المراد بها (اصطياد)، وأنَّ المراد بها (مصيد)، والأول مجمع على تحريمه، والثاني فيه اختلاف كما تقدمت الأحاديث، فإما أن يكون ليس مرادًا بالآية، أو يكون مرادًا، ولكن دلت الأدلة الأخرى على تخصيصه، فأجازت ما أُهدي