• فذهب مالك، والشافعي، وابن المنذر إلى أنَّه يقاد منه ولو في الحرم؛ لعموم الأمر باستيفاء القصاص من غير تخصيص مكان دون مكان، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة.
• وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يستوفى منه في الحرم، وصحَّ هذا القول عن ابن عباس، وهو قول عطاء، وعبيد بن عمير، والزهري، ومجاهد، والشعبي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن حزم الظاهري، واستدلوا بقوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران:٩٧]، وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إن الله حرم مكة، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ مسلم أن يسفك بها دمًا، أو يعضد بها شجرة؛ فإنْ أحدٌ ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب»، متفق عليه.
والحجة في ذلك من وجهين:
أحدهما: أنه حرم سفكَ الدم بها على الإطلاق، وتخصيص مكة بها يدل على أنه أراد العموم؛ فإنه لو أراد سفك الدم الحرام لم يختص به مكة، فلا يكون التخصيص مفيدًا.
الثاني: قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها»، ومعلومٌ أنه إنما حل له سفك دمٍ حلال في غير الحرم، فحرَّمها الحرم، ثم أحلت له ساعة، ثم عادت الحرمة، ثم أكد هذا بمنعه قياس غيره عليه، والاقتداء به فيه بقوله: «فإنْ