حنيفة، وابن حزم، والشوكاني، وهو ظاهر اختيار شيخ الإسلام؛ إلا أنَّ الشوكاني، وشيخ الإسلام يريان وجوب الوقوف بمزدلفة حتى يسفر جدًّا كما في الحديث.
وهذا القول أقرب الأقوال؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إنما رخص للضعفة كما في حديث ابن عمر في «الصحيحين» أنه كان يقدم ضعفة أهله ويقول: أرخص لأولئك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فدل على أن غيرهم لا رخصة لهم في الدفع قبل الفجر؛ لحديث عروة بن المضرس، وقد تقدم لفظه.
ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٩٨]، وقد بين النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بفعله هذا الأمر الذي أمرنا الله به، وما وقع بيانًا لواجب؛ فهو واجب.
فإن دفع قبل طلوع الفجر؛ فسد حجُّه عند ابن حزم، وعليه دم عند أبي حنيفة، ويأثم عند الشوكاني وحجُّه صحيح، وهو الصواب، والله أعلم. (١)
وَأَمَّا تَقَدُّمُ الضَّعَفَةِ مِنَ الَّليل؛ فهو مباحٌ عند عامة أهل العلم، وقال ابن قدامة في «المغني»(٥/ ٢٨٦): لا نعلم في ذلك خلافًا، ولكن قيَّد الشافعية، والحنابلة جواز تقدمهم من المزدلفة عقب نصف الليل.
قال ابن القيم -رحمه الله- في «زاد المعاد»(٢/ ٢٥٢): والذي دلَّت عليه السنة إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر، لا نصف الليل، وليس مع من حده بالنصف دليل، والله أعلم. اهـ
(١) وانظر: «المغني» (٥/ ٢٨٤)، «المجموع» (٨/ ١٥١)، «شرح كتاب المناسك من العمدة» لشيخ الإسلام (٢/ ٥٢٣).