للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْغَاصِبَ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» (١)، وَالْمُشْتَرِي أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَيْضًا، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَالَ غَيْرِهِ فِي يَدِهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بِحَمْدِ الله تَعَالَى. وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ نِكَاحٍ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَنَقْصُ الْوِلَادَةِ. وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ فَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَطَأُ مَمْلُوكَتَهُ، فَمَنَعَ ذَلِكَ انْخِلَاقَ الْوَلَدِ رَقِيقًا، وَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ بِاعْتِقَادِهِ حِلَّ الْوَطْءِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَلْزَمُهُ فِدَاءُ أَوْلَادِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ بَدَلُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي حَالِ الْعُلُوقِ أَحْرَارًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِيمَةٌ حِينَئِذٍ. قَالَ الْخَلَّالُ أَحْسَبُهُ قَوْلًا لِأَبِي عَبْدِ الله أَوَّلَ، وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْدِيهِمْ. وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَيَفْدِيهِمْ بِبَدَلِهِمْ يَوْمَ الْوَضْعِ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمَغْصُوبَةِ لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَهُ إلَّا بِالْمَنْعِ، وَقَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَحْصُلْ مَنْعٌ؛ فَلَمْ يَجِبْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ يَحْدُثُ مَضْمُونًا، فَيُقَوَّمُ يَوْمَ وَضْعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ حَالٍ أَمْكَنَ تَقْوِيمُهُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَفْدِيهِمْ بِهِ، فَنَقَلَ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا أَنَّهُ يَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِمِثْلِهِمْ فِي السِّنِّ، وَالصِّفَاتِ، وَالْجِنْسِ، وَالذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ فِي الْقِيمَةِ. وَعَنْ


(١) تقدم تخريجه في «البلوغ» برقم (٨٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>