للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعَيْنِ (١)؛ إذْ لَا مُسَمًّى هُنَاكَ، وَإِذَا كَانَ مُتَّهَبًا أَوْ مُودَعًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ فَإِنْ كَانَ الْقَابِضُ مِنْ الْغَاصِبِ هُوَ الْمَالِكُ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، وَمَا سِوَاهُ فَعَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا مَا لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، بَلْ يَكُونُ قَرَارُهُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ فَهُوَ عَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا هَاهُنَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْمَغْرُورِ ابْتِدَاءً، كَمَا لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ قَرَارًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُودِعِ إذَا أَوْدَعَهَا -يَعْنِي الْوَدِيعَةَ- عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَتَلِفَتْ؛ فَإِنَّهُ لَا يُضَمِّنُ الثَّانِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ.

وَطَرْدُ هَذَا النَّصِّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْمَغْرُورَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّهُ مَغْرُورٌ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَنَّهُ مُطَالَبٌ، فَلَا هُوَ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ، وَلَا الشَّارِعُ أَلْزَمَهُ بِهَا، وَكَيْفَ يُطَالِبُ الْمَظْلُومَ الْمَغْرُورَ وَيَتْرُكُ الظَّالِمَ الْغَارَّ؟ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مُحْسِنًا بِأَخْذِهِ الْوَدِيعَةَ، وَ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة:٩١] {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى:٤٢]، وَهَذَا شَأْنُ الْغَارِّ الظَّالِمِ. وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْمَغْرُورَ بِالْأَمَةِ إذَا وَطِئَهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً، وَأَخَذَ مِنْهُ سَيِّدُهَا الْمَهْرَ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. (٢) وَقَضَى عَلِيٌّ كَرَّمَ الله وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ


(١) كلامه -رحمه الله- على مذهب من يضمن المستعير بدون تفريط، وقد تقدمت المسألة في باب العارية تحت الحديث رقم (٨٨٠)، رقم المسألة (٨)، والصحيح فيها أنه لا ضمان على المستعير إلا بالتفريط، أو التعدي، والله أعلم.
(٢) أخرجه البيهقي (٥/ ٥٢٧) من طريق جابر الجعفي، عن الشعبي، عن عمر -رضي الله عنه-، به. وهذا إسنادٌ واهٍ؛ جابر الجعفي متروك، والشعبي لم يدرك عمر -رضي الله عنه-؛ فهو منقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>