فليس له أن يحوله إلى أمانة ليست مضمونة عليه بدون قبض صاحبه.
• وذهب بعض الحنابلة إلى جواز ذلك، ونصر ذلك ابن القيم -رحمه الله-.
فقال -رحمه الله- كما في «أعلام الموقعين» (٣/ ٣٥٠ - ): وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ، وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ، وَلَا يَقْتَضِي تَجْوِيزُهُ مُخَالَفَةَ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَلَا وُقُوعًا فِي مَحْظُورٍ مِنْ رِبًا، وَلَا قِمَارٍ، وَلَا بَيْعِ غَرَرٍ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ مَا؛ فَلَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَتَجْوِيزُهُ مِنْ مَحَاسِنِهَا وَمُقْتَضَاهَا.
قال: وَقَوْلُهُمْ: (إنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْرَاءَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ) كَلَامٌ فِيهِ إجْمَالٌ يُوهِمُ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ، وَبِالْفِعْلِ الَّذِي بِهِ يَبْرَأُ، وَهَذَا إيهَامٌ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَرِئَ بِمَا أَذِنَ لَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ الَّذِي تَضَمَّنَ بَرَاءَتَهُ مِنْ الدَّيْنِ، فَأَيُّ مَحْذُورٍ فِي أَنْ يَفْعَلُ فِعْلًا أَذِنَ لَهُ فِيهِ رَبُّ الدَّيْنِ، وَمُسْتَحِقُّهُ يَتَضَمَّنُ بَرَاءَتَهُ؟ فَكَيْفَ يُنْكِرُ أَنْ يَقَعَ فِي الْأَحْكَامِ الضِّمْنِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ مَا لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْمَتْبُوعَاتِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ؟ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُبَرِّئَ نَفْسَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ جَازَ وَمَلَكَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمَرْأَةَ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت، أَوْ يَقُولَ لِغَرِيمِهِ: أَبْرِي نَفْسَك إنْ شِئْت.
قال: فَإِنْ قِيلَ: فَالدَّيْنُ لَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ كُلِّيٌّ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذَا أَخْرَجَ مَالًا وَاشْتَرَى بِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّيْنُ، وَرَبُّ الدَّيْنِ لَمْ يُعَيِّنْهُ؛ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ. قِيلَ: هُوَ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقٌ، وَكُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ طَابَقَهُ صَحَّ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute