• ومذهب مالك، وأبي حنيفة أنه يملكها بالاستيفاء، فكلما استوفى منفعةَ يومٍ؛ ملك أجرتَه، ولأنه عوض لم يملك معوضه؛ فلم يجب تسليمه، وعلى هذا فلا يملك المؤجر المطالبة بالأجرة حتى يستوفي المستأجر المنافع؛ إلا أن يطالب ببعض ما استوفاه.
وعلى القول الأول يملك المطالبة بمجرد العقد؛ إلا أن يشترطا التأجيل، وقد استدل لأهل القول الثاني بقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[الطلاق:٦]، وبقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حديث الباب:«وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ»، فأمر بالآية الأولى بإيتائهن بعد الإرضاع، وتوعَّد في الحديث على الامتناع من دفع الأجر بعد العمل؛ فدلَّ على أنها حالة الوجوب.
وأجاب أصحاب القول الأول: أنَّ الآية ليست صريحة في ذلك، بل يحتمل أنها مثل قوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل:٩٨]، وكذلك الحديث يحقق أنَّ الأمر بالإيتاء في وقتٍ لا يمنع وجوبه قبله، كقوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[النساء:٢٤]، والصداق يجب قبل الاستمتاع، وهذا هو الجواب عن الحديث، ويدل عليه أنه إنما توعد على ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل، وقد قالوا: يجب الأجر شيئًا فشيئًا.
وجواب آخر: أنَّ الآية والخبر إنما وردا فيمن استؤجر على عمل، فأما ما وقعت الإجارة فيه على مدة؛ فلا تعرض لها به.