فينظر فيه؛ فإن أوقفوه على معين، أو جهة يجوز للمسلم الوقف عليها، كالصدقة على المساكين، والفقراء، وإصلاح الطرق، والمصالح العامة، أو على أولادهم، وأنسالهم، وأعقابهم؛ فهذا الوقف صحيحٌ، حكمه حكم وقف المسلمين على هذه الجهات، لكن إن شَرَطَ في استحقاق الأولاد والأقارب بقاءهم على الكفر؛ فإن أسلموا؛ لم يستحقوا شيئًا، لم يصح هذا الشرط، ولم يجز للحاكم أن يحكم بموجبه باتفاق الأمة؛ فإنه مناقض لدين الإسلام، مضاد لما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أبلغ في ذلك من أن يقف على أولاده ما داموا ساعين في الأرض بالفساد مرتكبين لمعاصي الله، فمن تاب منهم؛ أخرج من الوقف، ولم يستحق منه شيئًا وهذا لا يجيزه مسلم.
ثم تكلم على من وقف منهم على مساكين أهل الذمة.
فقال: يجوز الدفع إليهم بوصف المسكنة لا بوصف الكفر؛ فوصف الكفر ليس بمانع من الدفع إليهم، ولا هو شرط في الدفع كما يظنه الغالط أقبح الغلط وأفحشه، وحينئذ فيجوز الدفع إليه بمسكنته، وإن أسلم فهو أولى بالاستحقاق.
فالفرق بين أن يكون الكفر جهة وموجبًا، وبين ألا يكون مانعًا، فجعل الكفر جهة موجبًا للاستحقاق؛ مضاد لدين الله تعالى، وحكمه وكونه غير مانع موافق لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ