وقد رجَّح شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن القيم القول الأول.
قال ابن القيم -رحمه الله- في «زاد المعاد» (٥/ ١١٤): وَأَمّا نِكَاحُ الزّانِيَةِ فَقَدْ صَرّحَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَحْرِيمِهِ فِي سُورَةِ النّورِ، وَأَخْبَرَ أَنّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ إمّا زَانٍ، أَوْ مُشْرِكٌ؛ فَإِنّهُ إمّا أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَهُ سُبْحَانَهُ وَيَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ، أَوَ لَا؛ فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ؛ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ؛ فَهُوَ زَانٍ، ثُمّ صَرّحَ بِتَحْرِيمِهِ، فَقَالَ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النّورُ: ٣]، وَلَا يَخْفَى أَنّ دَعْوَى نَسْخِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النّورُ:٣٤] مِنْ أَضْعَفِ مَا يُقَالُ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ حَمْلُ النّكَاحِ عَلَى الزّنَى؛ إذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ: (الزّانِي لَا يَزْنِي إلّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ وَالزّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إلّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) وَكَلَامُ الله يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْ مِثْلِ هَذَا.
قال: كَيْفَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ، وَهُوَ الْعِفّةُ، فَقَالَ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النّسَاءُ:٢٥]، فَإِنّمَا أَبَاحَ نِكَاحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ؛ فَإِنّ الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى التّحْرِيمِ، فَيُقْتَصَرُ فِي إبَاحَتِهَا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشّرْعُ وَمَا عَدَاهُ فَعَلَى أَصْلِ التّحْرِيمِ، وَأَيْضًا فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور:٢٦] وَالْخَبِيْثَاتُ: الزَّوَانِي، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَزَوّجَ بِهِنّ فَهُوَ خَبِيثٌ مِثْلُهُنّ.
قال: وَأَيْضًا فَمِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ أَنْ يَكُونَ الرّجُلُ زَوْجَ بَغِيّ، وَقُبْحُ هَذَا مُسْتَقِرّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute