للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَكُنْ رَآهَا حِينَ دَخَلَ؟ قَالَ: هُوَ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجِدَارِ. قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَرَهُ إلَّا عِنْدَ وَضْعِ الْخِوَانُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أَيَخْرُجُ؟ فَقَالَ: لَا تُضَيِّقْ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ إذَا رَأَى هَذَا وَبَّخَهُمْ وَنَهَاهُمْ. يَعْنِي لَا يَخْرُجُ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا تَنَزُّهًا، وَلَا يَرَاهَا مُحَرَّمَةً. وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إذَا كَانَتْ الصُّوَرُ عَلَى السُّتُورِ، أَوْ مَا لَيْسَ بِمَوْطُوءٍ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، لَمَا جَازَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ الْوَاجِبَةِ مِنْ أَجْلِهِ. اهـ

ثم استدل ابن قدامة لترجيح مذهبه بدخول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الكعبة وفيها صور (١)، وبأثر عمر -رضي الله عنه- في شروطه على أهل الذمة بأن يوسعوا أبواب كنائِسِهم (٢)، وبِيَعِهِم؛ ليدخلها المسلمون للمبيت فيها، والمارة بدوابهم.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَلِأَنَّ دُخُولَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَكَذَلِكَ الْمَنَازِلُ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ وَكَوْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا تَدْخُلُهُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ دُخُولِهِ عَلَيْنَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا صُحْبَةُ رُفْقَةٍ فِيهَا جَرَسٌ مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَصْحَبُهُمْ.

قال: وَإِنَّمَا أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ مِنْ أَجْلِهِ عُقُوبَةً لِفَاعِلِهِ، وَزَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. اهـ


(١) أخرجه أيضًا البخاري (١٦٠١) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة أبى أن يدخل البيت، وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط». وهذا الحديث واضح أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل إلا بعد أن طهرت الكعبة من الصور.
(٢) حسن بطرقه. انظر تخريجه في تحقيقنا للمغني لابن قدامة، نسأل الله عز وجل أن ييسر طبعه ونشره في كتاب الجزية، تحت المسألة رقم (١٧٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>