وَإِنْ كَانُوا فَسَقَة ظَالِمِينَ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِمَعْنَى مَا ذَكَرْته، وَأَجْمَعَ أَهْل السُّنَّة أَنَّهُ لَا يَنْعَزِل السُّلْطَان بِالْفِسْقِ، وَأَمَّا الْوَجْه الْمَذْكُور فِي كُتُب الْفِقْه لِبَعْضِ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يَنْعَزِل، وَحُكِيَ عَنْ الْمُعْتَزِلَة أَيْضًا؛ فَغَلَط مِنْ قَائِله، مُخَالِف لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن، وَإِرَاقَة الدِّمَاء، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر؛ اِنْعَزَلَ. قَالَ: وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ عِنْد جُمْهُورهمْ الْبِدْعَة. قَالَ: وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ: تَنْعَقِد لَهُ، وَتُسْتَدَام لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّل.
قَالَ الْقَاضِي: فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر، وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ، أَوْ بِدْعَة؛ خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة، وَسَقَطَتْ طَاعَته، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ، وَخَلْعه، وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ؛ فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ؛ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر، وَلَا يَجِب فِي الْمُبْتَدِع؛ إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَة عَلَيْهِ؛ فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْز؛ لَمْ يَجِب الْقِيَام، وَلْيُهَاجِرْ الْمُسْلِم عَنْ أَرْضه إِلَى غَيْرهَا، وَيَفِرّ بِدِينِهِ. قَالَ: وَلَا تَنْعَقِد لِفَاسِقٍ اِبْتِدَاء، فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْخَلِيفَة فِسْق، قَالَ بَعْضهمْ: يَجِب خَلْعه؛ إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّب عَلَيْهِ فِتْنَة وَحَرْب. وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء، وَالْمُحَدِّثِينَ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ: لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ، وَالظُّلْم، وَتَعْطِيل الْحُقُوق، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ، بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute