أحدهما: أنه تقر فيه الكنائس الموجودة ولا تحدث أخرى. وحجتهم أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أقر يهود خيبر مع معابدهم، واحتجوا بأثر ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهو ثابتٌ عنه قال: أيما مصر مصرته العرب يعني المسلمين فليس للعجم يعني أهل الذمة أن يبنوا فيه كنيسة، ولا يضربوا فيه ناقوسًا، ولا يشربوا فيه خمرًا. وأيما مصر مصرته العجم، ففتحه الله على العرب؛ فإنَّ للعجم ما في عهدهم، وعلى العرب أن يوفوا بعهدهم، ولا يكلفوهم فوق طاقتهم.
والقول الثاني: أنه لا يجوز إقرار كنيسة ولا بناؤها؛ لأنها صارت بلاد إسلام، فلا تقر فيها شعارات الكفر، وكما لا يجوز إبقاء الأمكنة التي هي شعار الفسوق كالخمارات؛ فكذلك هذا.
ولأنَّ أمكنة البِيَعِ والكنائس قد صارت ملكًا للمسلمين، فتمكين الكفار من إقامة شعار الكفر فيها كَبِيَعِهِم وإجارتهم إياها، ولأنَّ الله تعالى أمر بالجهاد حتى يكون الدين كله له، وتمكينهم من إظهار شعار الكفر في تلك المواطن جعل الدين له ولغيره.
قال ابن القيم -رحمه الله-: وهذا القول هو الصحيح.
ثم قال: وفصل الخطاب أن يُقال: إن الإمام يفعل في ذلك ما هو الأصلح للمسلمين، فإن كان أخذها منهم أو إزالتها هو المصلحة -لكثرة الكنائس أو حاجة المسلمين إلى بعضها وقلة أهل الذمة- فله أخذها أو إزالتها بحسب المصلحة. وإن كان تركها أصلح -لكثرتهم وحاجتهم إليها وغنى المسلمين