للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مالًا؛ استوفي ولم ينقض الحكم في قول أهل الفُتيا من علماء الأمصار إلا ما حُكي عن سعيد بن المسيب، والأوزاعي أنهما قالا: ينقض الحكم، وإن استُوفي الحق كما لو تبين أنهما كانا كافرين.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَجَبَ لَهُ، فَلَا يَسْقُطُ بِقَوْلِهِمَا، كَمَا لَوْ ادَّعَيَاهُ لَأَنْفُسِهِمَا، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ لَا يَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَرُجُوعُهُمَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ، وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَا هُوَ إقْرَارٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَفَارَقَ مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحُكْمِ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ صَادِقَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا كَذَبَا فِي رُجُوعِهِمَا، وَيُفَارِقُ الْعُقُوبَاتِ، حَيْثُ لَا تُسْتَوْفَى؛ لِأنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. اهـ

• واختار ابن حزم أنه ينقض حكمه، قال: كما لو أنَّ عدلين شهدا بجرحته حين شهد، فيجب رد ما شهد به، فإقراره على نفسه بالكذب، أو الغفلة أثبت عليه من شهادة غيره عليه بذلك. وعزا هذا القو ل لحماد بن أبي سليمان، والحسن البصري.

وهذا القول هو الصواب، وقد رجحه الإمام الشوكاني -رحمه الله- فقال في «السيل الجرار» (ص ٧٨٢): ومع الرجوع تبطل شهادته من غير فرق بين كونها قبل الحكم أو بعده، وأي تأثير للحكم مع بطلان مستنده؛ فإنَّ هذا من أعجب ما يقرع سمع من يتعقل الحقائق فضلًا عمن هو عالم بالأسباب الموجبة لثبوت أحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>