للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: والراجح من هذه الأقوال ما ذهب إليه أحمد، وهو قول بعض الشافعية، والمالكية، من أنهما فرض كفاية، ويدل على الوجوب حديث مالك بن الحويرث في «الصحيحين» (١): «وإذا حضرت الصلاة؛ فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم»، وحديث أنس في «الصحيحين» (٢): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا غزا قرية، وطلع الفجر، استمع؛ فإنْ وجد أذانًا أمسك، وإلا أغار. واللفظ لمسلم.

وفي قصة الأذان قال: فأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بلالًا أن يقوم فينادي بالصلاة، وفي حديث أبي قتادة في «مسلم» (٦٨١) في قصة نومهم عن الصلاة، وفيه: أنَّ بلالًا أذَّن. فهذا يدل مع غيره على أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يترك الأذان سفرًا، ولا حضرًا، ولأنه من شعائر الإسلام الظاهرة، وأما كونه فرض كفاية؛ فَلِأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمر عثمان بن أبي العاص أن يتخذ مؤذِّنًا -أي: بالمكان الذي هو فيه، وأيضًا لم يأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من لم يحضر الصلاة معه بالأذان- إنْ صلَّى في جماعة أهله.

وأيضًا أَمْرُ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمالك بن الحويرث، ووالد عمرو بن سلمة بالأذان إذا حضرت الصلاة، وهما سينزلان في قومهما يدل على أنه يكفي أذانٌ واحد عن الجماعة، وهذا الذي رجَّحْنَاهُ هو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله. وليس معنى قولنا: (فرض كفاية) أنه شرطٌ لِصِحَّةِ الصلاة، بل هو واجبٌ مستقلٌّ، والله أعلم. (٣)


(١) أخرجه البخاري برقم (٦٢٨)، ومسلم برقم (٦٧٤).
(٢) أخرجه البخاري (٦١٠)، ومسلم (٣٨٢).
(٣) وانظر: «المغني» (٢/ ٧٢ - )، «غاية المرام» (٣/ ٨٥)، «المجموع» (٣/ ٨٢)، «الشرح الممتع» (٢/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>