لكان الرواة قَدْ رووا الحَدِيْث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة، ولا يظن ذَلِكَ بهم مَعَ علمهم، وفقههم، وعدالتهم، وورعهم؛ لاسيما وبعضهم قَدْ زاد فِي الحَدِيْث زيادة تنفي كل احتمال وشك، وهي عدم ذكر قراءة البسملة فِي القراءة، وهذه زيادة من ثقات عدول حفاظ، تقضي عَلَى كل لفظ محتمل، فكيف لا تقبل؟ لاسيما وممن زاد هذه الزيادة الأوزاعي، فقيه أهل الشام، وإمامهم، وعالمهم.
قال: والذي رَوَى نفي قراءة البسملة من أصْحَاب حميد هُوَ: مَالِك، ومالك مَالِك فِي فقهه، وعلمه، وورعه، وتَحَرِّيِه فِي الرواية، فكيف تُرَدُّ روايته المصرحة بهذا المعنى برواية شيوخ ليسوا فقهاء لحديث حميد بلفظ محتمل؟ فالواجب فِي هَذَا ونحوه أن تجعل الرواية الصريحة مفسرة للرواية المحتملة؛ فإن هَذَا من بَاب عرض المتشابه على المحكم، فأما رد الروايات الصريحة للرواية المحتملة فغير جائز، كما لا يجوز رد المحكم للمتشابه. انتهى المراد.
وأما استدلالهم على ردِّ الحديث بقول أنس: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني عنه أحد قبلك. فقد أجاب عنه الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في «الفتح»
فقال: فالمراد: هَلْ كَانَ يقرأ البسملة فِي نفسه، أم لا؟ فَلَمْ يكن عنده مِنْهُ علم؛ لأنه لَمْ يسمع قراءتها، فلا يدري: هَلْ كَانَ يسرها، أم لا؟ وأيضًا فقد شك الرَّاوي: هَلْ قَالَ: لا أحفظه. أو: مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك؟ فالظاهر أَنَّهُ إنما قَالَ: مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك. كما رواه شعبة وغيره عَن قتادة، كما تقدم، وعلى تقدير