للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما ما ذهب إليه شيخ الإسلام؛ فلا يستقيم من حيث اللغة؛ لأنَّ من عزم إقامة سنة مثلًا، أو سنتين، أو أكثر؛ فإنه ليس بضارب في الأرض، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، وهذا لا يُعدُّ ضاربًا في الأرض، شرعًا، ولا لغةً، ولا عُرْفًا.

وأما الآثار المذكورة؛ فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، التحديد بتسعة عشر يومًا كما في «البخاري»، وجاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، التحديد باثني عشر يومًا، فهذا يدل على أنَّ الآثار المذكورة عنهما ليس المراد بها أنهم عزموا على إقامة تلك المدة، بل ذلك في حقِّ من لم يعزم على الإقامة.

وكذلك سعد بن أبي وقاص، قد ثبت في «الصحيحين» (١) عنه أنه عند أنْ وَلِيَ الكوفة، وأقام بها كان يصلي تمامًا، فهذا يدل على أنه في تلك الواقعة لم يَعزِم على الإقامة، وكذلك الآثار الأخرى تُحمل على أنهم لم يعزموا على الإقامة، وهذا يحصل في الجهاد؛ فإنَّ المجاهد إنما يريد أن يفتح تلك البلدة، ثم ينصرف، ومما ينبه عليه أن أثر أنس، وعبد الرحمن بن سمرة من طريق الحسن عنهما، وقد عنعن، وهو مدلس.

ولْيُعْلَم أيضًا أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قد تردد في المسألة في بعض المواضع، فقد قال كما في «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ١٧): إذا نوى أن يُقيم بالبلد


(١) أخرج البخاري برقم (٧٥٥)، ومسلم برقم (٤٥٣): أنَّ أهل الكوفة شكوا سعدًا -رضي الله عنه- إلى عمر -رضي الله عنه-، حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فقال سعد: والله، إني لأصلي بهم صلاة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لا أخرم عنها، أركد في الأوليين، وأخف في الأخريين. فقال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>