واختلف أصحاب هذا القول فيما إذا كان التفريق لعذر، مثل انقطاع الماء، أو فقده، فذهب مالك، والليث إلى أنه إذا ترك الموالاة لعذر لم يضر، ومذهب أحمد، والشافعي في القديم عدم جواز ترك الموالاة مطلقًا.
ورجح شيخ الإسلام -رحمه الله- قول مالك، فقال كما في «مجموع الفتاوى»(٢١/ ١٣٥ - ١٣٧): هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَبِأُصُولِ مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الْمُفَرِّطَ، لَا تَتَنَاوَلُ الْعَاجِزَ عَنْ الْمُوَالَاةِ؛ فَالْحَدِيثُ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ خَالِدِ ابْنِ معدان عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. فَهَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، وَالْمَأْمُورُ بِالْإِعَادَةِ مُفَرِّطٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى غَسْلِ تِلْكَ اللَّمْعَةِ كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى غَسْلِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا بِإِهْمَالِهَا وَعَدَمِ تَعَاهُدِهِ لِجَمِيعِ الْوُضُوءِ بَقِيَتْ اللُّمْعَةُ، نَظِيرَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَنَادَاهُمْ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:«وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ»، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ، فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:«ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك»، فَرَجَعَ، ثُمَّ صَلَّى.