وأما قولهم:(إنه في معنى الربا) فالعبرة في العقود بالألفاظ مع النيات، والمقصود هنا هو بيع مع الأجل، وليس المقصود أنه يستدين منه مالًا ويرد إليه أكثر. وقد ذكروا تعليلات أخرى للمنع لا تفيد التحريم، وإنما تفيد أنَّ الأفضل أن يتعاون المسلمون باليسر، والإحسان.
وقد عزا الإمام الألباني -رحمه الله- في «صحيحته» هذا القول لابن سيرين، وسماك، وطاوس، والثوري، والأوزاعي، وابن حبان، والنسائي وغيرهم، ولكن بمراجعة أقوال هؤلاء الأئمة من مصادرها يتبين أن مقصودهم: أن يأخذ المشتري السلعة بدون تحديد إحدى البيعتين؛ فتكون بيعتان في بيعة، وأما إذا أخذ السلعة بالنقد أو بالنسيئة، فإنما هي بيعة واحدة، وقد نصَّ على ذلك طاوس، والثوري، والأوزاعي، وأخذ الأئمة المتأخرون أقوال المتقدمين، وبينوا أن مقصودهم إنما هو إذا لم يختر أحدى البيعتين.
وقد أورد الشيخ الألباني -رحمه الله- إيرادًا، فقال: ليس في ذلك جهالة؛ لأنَّ المشتري إما أن ينقده الثمن فيكون قد أخذه بالنقد، وإما أن يأخذه ويسكت، وينصرف؛ فيكون قد أخذه نسيئة، فأين الجهالة؟
والجواب: أنَّ النقد قد يسلمه في مجلس العقد، أو قد يعطيه بعد المفارقة، ويسمى (دينًا حالًّا)، فما زالت الجهالة موجودة.
وقال الإمام الألباني -رحمه الله-: قد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن بيعتين في بيعة أنَّ العلة هي الربا، كما في رواية أبي داود المذكورة في الباب، وجاء عن ابن مسعود