على امتناع هذا، ولا إجماع فيه (١)، قاله شيخنا واختار جوازه، وهو الصواب؛ إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى؛ فإن المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة؛ فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بغير فائدة، وأما ما عداه من الصور الثلاث فلكل منهما غرض صحيح ومنفعة مطلوبة، وذلك ظاهر في مسألة التقاص؛ فإن ذمتهما تبرأ من أسرها، وبراءة الذمة مطلوب لهما وللشارع.
فأما في الصورتين الأخيرتين فأحدهما يعجل براءة ذمته والآخر ينتفع بما يربحه، وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته والآخر يحصل على الربح وذلك في بيع العين بالدين؛ جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها به ابتداء، إما بقرض، أو بمعاوضة؛ فكانت ذمته مشغولة بشيء فانتقلت من شاغل إلى شاغل، وليس هناك بيع كالئ بكالئ وإن كان بيع دين بدين، فلم ينه الشارع عن ذلك لا بلفظه ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشارع تقتضي جوازه؛ فإنَّ الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه؛ فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في
(١) وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر كما في الأوسط (١٠/ ٢٩٨)، وأسند عن ابن عمر -رضي الله عنهما- المنع من ذلك؛ فقال -رحمه الله-: حدثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا كليب، قال: قلت لابن عمر: كانت لي على رجل دراهم؛ فأتيته أتقاضاه، قال: ليس عندي، ولكن اكتبها علي بطعام إلى الحصاد، قال: لا يصلح. وإسناده حسن، وكليب هو ابن وائل البكري، وهو حسن الحديث.