للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الشَّيْءِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مِثْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْمَعَانِي؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ خَرْصُهَا؛ لِتَفَرُّقِهَا فِي الْأَغْصَانِ وَاسْتِتَارِهَا بِالْأَوْرَاقِ، وَلَا يُقْتَاتُ يَابِسُهَا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشِّرَاءِ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ قِيَاسًا عَلَى ثَمَرَةِ النَّخِيلِ.

قال: وَلَنَا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَكُلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِهَا. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَرِيَّةِ بِالتَّمْرِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ، أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ... ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الْعَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فِي ثَمَرَةِ النَّخِيلِ رُخْصَةً، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ غَيْرَهَا لَا يُسَاوِيهَا فِي كَثْرَةِ الِاقْتِيَاتِ بِهَا، وَسُهُولَةِ خَرْصِهَا، وَكَوْنِ الرُّخْصَةِ فِي الْأَصْلِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَى الرُّطَبِ دُونَ غَيْرِهِ. الثَّانِي: أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا خَالَفَ نَصًّا، وَقِيَاسُهُمْ يُخَالِفُ نُصُوصًا غَيْرَ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ، وَنَهْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الثِّمَارِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. اهـ

قلتُ: ومذهب داود الظاهري كمذهب الليث، وأحمد، وهو الصواب، والله أعلم. (١)


(١) وانظر: «الأوسط» (١٠/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>