٢) أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ، وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ، أَوْ سَيْلًا يَتَشَاحُّ فِيهِ أَهْلُ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ مَنْ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ، فَيَسْقِي وَيَحْبِسُ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الْكَعْبِ، ثُمَّ يُرْسِلُ إلَى الَّذِي يَلِيهِ فَيَصْنَعُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا، وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
قال ابن قدامة: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا.
قال: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَى عَبْدُ الله بْن الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ، الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ المَاءَ إلَى جَارِك»، فَغَضِبَ الرَّجُلُ، وَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُبَيْرُ، اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجَدْرِ»، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَوَاَلله، إنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] (١) قَالَ الزُّهْرِيُّ: نَظَرْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «ثُمَّ احْبِسْ المَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الجَدْرِ»؛ فَكَانَ ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَيْنِ.
قال: فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ صَاحِبِ الْأَعْلَى مُخْتَلِفَةً، مِنْهَا مُسْتَعْلِيَةٌ، وَمِنْهَا مُسْتَفِلَةٌ؛ سَقَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهَا، وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ؛ اقْتَسَمَا المَاءَ بَيْنَهُمَا، إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَقُدِّمَ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ فَإِنْ كَانَ المَاءُ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ المَاءِ، ثُمَّ تَرَكَهُ لِلْآخَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ المَاءِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُسَاوِيه فِي اسْتِحْقَاقِ
(١) أخرجه البخاري برقم (٢٣٥٩) (٢٣٦٠)، ومسلم برقم (٢٣٥٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute