المَاءِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، لَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَاءُ الْجَارِي فِي نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ:
١) أَنْ يَكُونَ المَاءُ مُبَاحَ الْأَصْلِ، مِثْلَ أَنْ يَحْفِرَ إنْسَانٌ نَهْرًا صَغِيرًا يَتَّصِلُ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ مُبَاحٍ، فَمَا لَمْ يَتَّصِلْ الْحَفْرُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحَجُّرٌ وَشُرُوعٌ فِي الْإِحْيَاءِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الْحَفْرُ، كَمُلَ الْإِحْيَاءُ وَمَلَكَهُ، سَوَاءٌ أَجْرَى فِيهِ المَاءَ أَوْ لَمْ يُجْرِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يَحْصُلُ بِأَنْ يُهَيِّئَهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ دُونَ حُصُولِ المَنْفَعَةِ، فَيَصِيرُ مَالِكًا لِقَرَارِ النَّهْرِ وَحَافَّتَيْهِ، وَهَوَاؤُهُ حَقٌّ لَهُ، وَكَذَلِكَ حَرِيمُهُ، وَهُوَ مُلْقَى الطِّينِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَعِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَكَذَلِكَ حَرِيمُ الْبِئْرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَمْ تُمْلَكْ؛ فَهِيَ لَهُ».
قال: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَكَانَ النَّهْرُ لِجَمَاعَةِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ؛ فَإِنْ كَفَى جَمِيعَهُمْ؛ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ، وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ بِالْمُهَايَأَةِ -المناوبة- أَوْ غَيْرِهَا؛ جَازَ، وَإِنْ تَشَاحُّوا فِي قِسْمَتِهِ؛ قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ مِنْ النَّهْرِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، فَتُؤْخَذُ خَشَبَةٌ صَلْبَةٌ، أَوْ حَجَرٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ، فِي مُقَدَّمِ الْمَاءِ، فِيهِ حُزُوزٌ، أَوْ ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي السَّعَةِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ، يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ أَوْ ثُقْبٍ إلَى سَاقِيَةٍ مُفْرَدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute