وعندي جواب آخر، وهو: أنَّ المراد بإحسان الوضوء، أي: الوضوء الذي مع الغسل؛ لأنَّ مسلمًا قد أخرج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- (٨٥٧)(٢٦) من طريق أخرى بلفظ: «من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى ... »، الحديث، وكلا الإسنادين من طريق أبي صالح، وأخرجه ابن خزيمة (١٨٠٣) بإسناد صحيح من طريق المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بذكر الغسل لا الوضوء؛ فإن صحَّ هذا التوجيه، وإلا فرواية:«من اغتسل» أولى؛ لموافقتها لبقية الأحاديث في المعنى، ولموافقتها حديث سلمان في «البخاري»(٨٨٣) باللفظ، والمعنى، والله أعلم.
وأما استدلالهم بقصة عمر، وعثمان -رضي الله عنهما-، فقد قال الشوكاني -رحمه الله- في «النيل»: فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب، لا له؛ لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل من أعظم الأدلة القاضية بأنَّ الوجوب كان معلومًا عند الصحابة، ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب؛ لما عوَّل ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره، فأي تقرير من عمر، ومن حضر بعد هذا، ولعل النووي، ومن معه ظنُّوا أنه لو كان الاغتسال واجبًا؛ لنزل عمر من منبره، وأخذ بيد ذلك الصحابي، وذهب به إلى المغتسل، أو لقال: لا تقف في هذا الجمع، واذهب فاغتسل، فإنَّا سننتظرك. أو ما أشبه ذلك، ومثل هذا لا يجب على من رأى الإخلال بواجب من واجبات الشريعة، وغاية ما كُلِّفْنا به في الإنكار على من ترك واجبًا هو ما فعله عمر في هذه الواقعة، على أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل