القول الثاني: أنه يحرم عليه المُكْث، والمرور؛ إلا أنْ لا يجد بُدًّا منه، فيتوضأ، ثم يمر، وهذا القول حُكِيَ عن الثوري، وإسحاق، وأبي حنيفة، وأصحابه، واستدلوا بعموم الحديث:«لا أحل المسجد لحائضٍ، ولا جنب»، واستدلوا بحديث أبي سعيد عند الترمذي (٣٧٢٧): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لعلي:«يا علي، لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري، وغيرك»، معناه: لا يحل لأحد يستطرقه جنبًا غيري، وغيرك.
القول الثالث: يحرم المكث، والمرور، ويستباح بالوضوء، وهو قول أحمد، واستدل لذلك بما رواه عن أبي نعيم، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يتحدثون في المسجد، وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا، فيتوضأ، ثم يدخل المسجد، فيتحدث. وإسناده حسن، وهشام بن سعد، وإن كان ضعيفًا؛ إلا أنه أثبت الناس في زيد بن أسلم، قاله أبو داود.
القول الرابع: جواز المكث، والمرور، وهو قول المزني، وداود، وابن المنذر، وحُكِيَ عن زيد بن أسلم.
قلتُ: ويصلح أن يكون مذهب الصحابة الذي تقدم ذكرهم قريبًا في القول الثالث؛ لأنَّ الوضوء لا يرفع عنهم الجنابة.
وقد استدل أهل هذا القول بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنَّ المسلم لا ينجس»، مع البراءة