قال: وَأَيْضًا فَإِنّ أُصُولَ الشّرْعِ وَقَوَاعِدَهُ شَاهِدَةٌ بِتَقْدِيمِ أَقَارِبِ الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ، وَوِلَايَةِ النّكَاحِ، وَوِلَايَةِ الْمَوْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْهَدْ فِي الشّرْعِ تَقْدِيمُ قَرَابَةِ الْأُمّ عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَمَنْ قَدّمَهَا فِي الْحَضَانَةِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ الدّلِيلِ.
قال: فَالصّوَابُ فِي الْمَأْخَذِ هُوَ أَنّ الْأُمّ إنّمَا قُدّمَتْ؛ لِأَنّ النّسَاءَ أَرْفَقُ بِالطّفْلِ، وَأَخْبَرُ بِتَرْبِيَتِهِ، وَأَصْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَالْجَدّةُ أُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ أُمّ الْأُمّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِلْأُمّ، وَالْعَمّةُ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ كَمَا نَصّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَتُقَدّمُ أُمّ الْأَبِ عَلَى أَب الْأَبِ كَمَا تُقَدّمُ الْأُمّ عَلَى الْأَبِ.
قال: وَإِذَا تَقَرّرَ هَذَا الْأَصْلُ؛ فَهُوَ أَصْلٌ مُطّرِدٌ مُنْضَبِطٌ لَا تَتَنَاقَضُ فُرُوعُهُ، بَلْ إنْ اتّفَقَتْ الْقَرَابَةُ وَالدّرَجَةُ وَاحِدَةٌ؛ قُدِّمَتْ الْأُنْثَى عَلَى الذّكَرِ، فَتُقَدّمُ الْأُخْتُ عَلَى الْأَخِ، وَالْعَمَّةُ عَلَى العَمِّ، وَالْخَالَةُ عَلَى الْخَالِ وَالْجَدّةُ عَلَى الْجَدّ، وَأَصْلُهُ تَقْدِيمُ الْأُمّ عَلَى الْأَبِ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْقَرَابَةُ؛ قُدّمَتْ قَرَابَةُ الْأَبِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمّ، فَتُقَدّمُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمّ، وَالْعَمّةُ عَلَى الْخَالَةِ، وَعَمّةُ الْأَبِ عَلَى خَالَتِهِ، وَهَلُمّ جَرًّا.
قال: وَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الصّحِيحُ، وَالْقِيَاسُ الْمُطّرِدُ، وَهَذَا هُوَ الّذِي قَضَى بِهِ سَيّدُ قُضَاةِ الْإِسْلَامِ شُرَيْحٌ.
قال: وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ هَذَا الْمَسْلَكِ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ التّنَاقُضِ. ثم ذكر أمثلة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute