للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطيب وصف للعين، وأن الله قد يحرمها مع ذلك عقوبة للعباد كما قال تعالى لما ذكر ما حرمه على بني إسرائيل: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام:١٤٦]، وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:٤]، فلو كان معنى الطيب هو ما أحل؛ كان الكلام لا فائدة فيه، فَعُلم أن الطيب والخبيث وصف قائم بالأعيان.

قال: وليس المراد به مجرد التذاذ الأكل؛ فإن الإنسان قد يلتذ بما يضره من السموم، وما يحميه الطبيب منه، ولا المراد به التذاذ طائفة من الأمم كالعرب، ولا كون العرب تعودته؛ فإن مجرد كون أمة من الأمم تعودت أكله وطاب لها، أو كرهته لكونه ليس في بلادها؛ لا يوجب أن يحرم الله على جميع المؤمنين ما لم تعتده طباع هؤلاء، ولا أن يحل لجميع المؤمنين ما تعودوه، كيف وقد كانت العرب قد اعتادت أكل الدم، والميتة، وغير ذلك، وقد حرمه الله تعالى، وقد قيل لبعض العرب: ما تأكلون؟ قال: ما دَبَّ ودرج إلا أم حبين. فقال: ليهن أم حبين العافية. ونفس قريش كانوا يأكلون خبائث حرمها الله، وكانوا يعافون مطاعم لم يحرمها الله، وفي «الصحيحين» عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قدم له لحم ضب فرفع يده ولم يأكل، فقيل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه» (١)، فعلم أن كراهة قريش وغيرها لطعام من الأطعمة لا يكون موجبًا لتحريمه على المؤمنين من سائر العرب والعجم، وأيضًا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم


(١) سيأتي تخريجه في «البلوغ» رقم (١٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>