فمنعه من ذلك، وأبى ذلك عليه، وكذلك قوله في الحديث الآخر:«ولكن اليمين على المدعى عليه» إنما أريد بها اليمين المجردة عن الشهادة، وأول الحديث يدل على ذلك، و هو قوله:«لو يُعطي الناس بدعواهم؛ لادَّعى رجالٌ دماء رجال وأموالهم»، فدل على أن قوله:«اليمين على المدعى عليه» إنما هي اليمين القاطعة للمنازعة مع عدم البينة، وأما اليمين المثبتة للحق مع وجود الشهادة، فهذا نوع آخر، وقد ثبت بسنة أخرى.
• والقول الثاني في المسألة أنه يرجح جانب أقوى المتداعيين، وتجعل اليمين في جانبه، هذا مذهب مالك، وكذا ذكره القاضي أبو يعلى في خلافه أنه مذهب أحمد، وعلى هذا تتوجه المسائل التي تقدم ذكرها من الحكم بالقسامة، والشاهد، واليمين؛ فإنَّ جانب المدعي في القسامة لما قوي باللوث؛ جعلت اليمين في جانبه، وحكم له بها، وكذلك المدعي إذا أقام شاهدًا؛ فإنه قوي جانبه، فيحلف معه، ويقضى له.
وهؤلاء لهم في الجواب عن قوله:«البينة على المدعي ... » الحديث، طريقان:
الأول: أنَّ هذا خُصَّ من العموم بدليل.
والثاني: أنَّ قوله: «البينة على المدعي ... » الحديث، ليس بعام؛ لأنَّ المراد: على المدعي المعهود. وهو من لا حجة له سوى الدعوى كما في قوله:«لو يُعطى الناس بدعواهم ... »، فأما المدعي الذي معه حجة تُقَوِّي دعواه؛ فليس داخلًا في