وفي «صحيح البخاري»(١٩٩٩)، عن ابن عمر، وعائشة -رضي الله عنهم-، قالا: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فمن لم يجد هديًا، ولم يصم؛ صام أيام منى.
وعليه: فالذي يظهر لي -والله أعلم- أنَّ القول الأول أرجح؛ لأن عمرة التمتع دخلت في الحج كما في الحديث، ولأنَّ هذا هو ظاهر قول الصحابة كما تقدم، وأما كون الهدي يجب عليه يوم النحر، والصوم بدل منه؛ فقد تقدم أنَّ الهدي له تعلق بالذمة من حين يحرم بالعمرة، وتقديم الواجب بعد وجود سببه قد جاز في مواضع منها: تقديم كفارة الحنث قبل الحنث باليمين، ومنها: تعجيل الزكاة قبل تمام الحول.
ثم وجدت كلامًا لشيخ الإسلام -رحمه الله- يوافق ما ذكرته، فقد قال في «شرح العمدة»(٢/ ٣٣٩ - ): وأما وجه المشهور -يعني عن أحمد- فإنه إذا أحرم بالعمرة فقد انعقد سبب الوجوب في حقه، ودخل في التمتع؛ بدليل أنه لو ساق الهدي معه لمنعه الهدي من الإحلال؛ فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}[البقرة:١٩٦]، وهذا يقتضي وقوع الصيام بعد الإحرام بالحج؛ لأنه إنما يكون متمتعًا بالعمرة إلى الحج إذا أحرم به؛ ولأنه قال:{فِي الْحَجِّ}، فإذا صام قبله لم يجز. قلنا: هو ينوي التمتع ويعتمده من حين يحرم بالعمرة، ويسمى متمتعًا من حينئذٍ.
ثم قال -رحمه الله-: فإذا أحرم بالعمرة إلى الحج؛ فهو حاج، فإذا صامها حينئذٍ فقد صامها في حجه؛ لأنَّ العمرة هي الحج الأصغر، وعمرة التمتع جزء من الحج