وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ لَيَّنُوهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ فِي إسْنَادِهِ، وَمَتْنِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الضَّعْفِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا، وَلَا مُعَلَّلًا، وَهَذَا شَاذٌّ مُعَلَّلٌ؛ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ عَنْ أَنَسٍ، وَكَيْفَ يَرْوِي أَنَسٌ مِثْلَ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا مُحْتَجًّا بِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَنَسٍ الْمَعْرُوفِينَ بِصُحْبَتِهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِمَّا يَرُدُّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا أَنَّ أَنَسًا كَانَ مُقِيمًا بِالْبَصْرَةِ، وَمُعَاوِيَةُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ أَنَّ أَنَسًا كَانَ مَعَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَالله أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدِيمًا، وَحَدِيثًا تَرْكُ الْجَهْرِ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا أَصْلًا، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: مَا سَمِعْت الْقَاسِمَ يَقْرَأُ بِهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَلَهُ مَحْمَلٌ، وَهَذَا عَمَلُهُمْ يَتَوَارَثُهُ آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَا هُوَ شَبَهُهُمْ؟ هَذَا بَاطِلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute