للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تواضعه]

أما تواضعه فمنقطع النظير، فطالب العلم، والعالم، والمسئول إذا لم يكن متواضعاً لله فلا تنظر إليه، فإن الله قد مقته من فوق سبع سموات، وقد سقط من عين الله، وقد باء بخزيٍ من الله إن لم يتب، كان متواضعاً جد التواضع، قال الحفاظ: رأينا الإمام أحمد نزل إلى سوق بغداد، فاشترى حزمة من الحطب وجعلها على كتفه، فلما عرفه الناس ترك أهل المتاجر متاجرهم، وأهل الدكاكين دكاكينهم، وتوقف المارة في طرقهم يسلمون عليه، ويقولون: نحمل عنك الحطب.

فهز يده، واحمر وجهه، ودمعت عيناه، وقال: نحن قومٌ مساكين لولا ستر الله لافتضحنا.

والعجيب في الإسلام أن العبد كلما ازداد تواضعاً لله، زاده الله رفعة، وكلما تكبر زاده الله حقارة ومهانة ومذلة {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:٢٦].

قال أبو بكر الصديق لـ خالد بن الوليد لما أرسله إلى اليرموك، أخذه بتلابيب ثوبه وهزه، وقال: [[يا أبا سليمان فر من الشرف يوهب لك الشرف، واطلب الموت توهب لك الحياة]] وصدق رضي الله عنه وأرضاه.

أتى رجل يمدح الإمام أحمد، فقال له الإمام أحمد: أشهد الله أني أمقتك على هذا الكلام، والله لو علمتَ ما عندي من الذنوب والخطايا لحثوتَ على رأسي بالتراب.

انظر إلى الإمام العابد! جاءه قوم فقالوا: يا أحمد بن حنبل! إن الله قد نشر لك الثناء الحسن، والله إنَّا نسمع ثناءك في كل مكان، حتى في الثغور مع الجيش وهم يقاتلون العدو يدعون لك حينما يرمون بالمنجنيق.

فدمعت عيناه، وقال: أظنه استدراجاً من الله عز وجل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>