للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كراهة تأليف الكتب عند بعض المتقدمين]

صح عن الإمام أحمد أنه كره تأليف الكتب، فقد نقل عنه ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين.

فـ المسند؛ قالوا: المسند جمعه وما ألفه لأنه حديث نبوي، والتأليف من قبل النفس فما ألف شيئاً، ولذلك ما كان يزيد كلامه على النص، كان يأتي ويقول: حدثنا هشيم حدثنا فلان عن فلان عن أبي هريرة ويسوق الحديث ثم يسكت عنه.

سُئِل أن يؤلف كتاباً، قالوا: فرفض أن يؤلف شيئاً، وكان يغضب إذا رأى التلاميذ يكتبون عنده، قال: خذوا من حيث أخذنا، العلم آية وحديث، قال له أحد التلاميذ: أأكتب رأي ابن المبارك؟ قال: لا، خذ من حيث أخذ ابن المبارك.

فما أسهل هذا العلم والله، يوم تشعر أن المصحف في بيتك والحديث، ثم يكون عندك قليل من النحو واللغة ومعرفة الناسخ والمنسوخ أو مثل هذه الأمور الجزئية، وهي لطيفة لا تهول على العقل، ثم تأتي إلى الحديث والقرآن تتعامل معهما، كيف يكون عندك ملكة ويصحو عقلك على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فصح عن الإمام أحمد أنه نهى عن تأليف الكتب وكره ذلك، لكن كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر.

والكتب من أحسن ما يقتنى في البيوت، وتأليفها من أشرف الأعمال، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: أخطأ بعض الزهاد من العباد يوم أتوا إلى كتبهم فأمروا بإحراقها عند الموت، أو أغرقوها، أو دفنوها.

والكتب من أعظم ما يذكر، لكن كتب وكتب، بعض الكتب تستحق أن تشب بها في النار، وبعضها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وبعضها لو بيعت العيون، أو مقل القلوب، أو قطع القلوب وشجا الروح فيها ما وزنتها:

كتاب البخاري لو أنصفوه لما خط إلا بماء الذهب

أسانيده كنجوم السماء أمام متونٍ لها كالشهب

ذكر ابن تيمية أن أحد العلماء ألف أكثر من ألف تأليف، ولكن أيهما أشهر هو أو الإمام أحمد؟ الإمام أحمد في الجلسات، وعلى المنابر، وفي الدروس الإمام أحمد بن حنبل؛ لأن علمه أصيل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>