للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح الأدب الأول: الصلاة على وقتها]

قال: {الصلاة على وقتها} وهذا في الصحيح، لكن هناك: {في أول وقتها} إلا في مسائل استثناها الأئمة بأحاديث، منها شدة الحر في صلاة الظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، وفي الصحيح عن أبي ذر قال: {خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأُذن لصلاة الظهر، فقال عليه الصلاة والسلام: أبرد أبرد، فقام يؤذن، قال: أبرد أبرد، فقام يؤذن، قال: أبرد فإن شدة الحر من فيح جهنم}.

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله أذن لجهنم بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، ففي الصيف هو أشد ما تجدون من فيح جهنم -أي: الحرارة- ومن الزمهرير أشد ما تجدون في الشتاء} أعاذنا الله وإياكم من جهنم.

فصلاة الظهر تؤخر عن وقتها لشدة الحر، لكن استثنوا منها صورتين: وجود الغمام ولو في شدة الحر فتصلى، وإذا كان كما قال الشافعي: المصلون ذو ظل لا يكلفهم الذهاب والإياب، أي: كانوا في بيت أو في حديقة أو في غابة؛ فلهم أن يصلوا ولو في أول الوقت، وهذا إن شاء الله جيد؛ لأن العلة وجود الحر ومشقة الناس.

ومما تتأخر عن وقتها كذلك وهو أفضل، صلاة العشاء، إذا وجدت الجماعة يتأخرون معك لأحاديث كثيرة، منها: حديث عائشة في الصحيح حتى خرج صلى الله عليه وسلم على الناس وقد تأخروا في صلاة العشاء، فقال: {أما إنه لا ينتظرها أحدٌ من أهل الدنيا إلا أنتم} وقال: {وإنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي} عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث عمر لما نام النساء والصبيان، فقالوا: يا رسول الله! نام النساء والصبيان، فخرج صلى الله عليه وسلم، وقد ابهار الليل، فهذان وقتان فليعلم ذلك.

قال: {الصلاة على وقتها} أو {في أول وقتها} وإذا أخرت الصلاة عن الوقت ورأيت الإنسان أو المسلم يؤخر الصلاة عن الوقت؛ فاعلم أن في قلبه دخن، وفي نفسه مرض، إلا من عذر عاذر.

قال المؤرخون: سبب سقوط دولة بني أمية أن الخلفاء كانوا يؤخرون الصلاة.

فهذه دولة عظيمة ضربت أطنابها في الأرض، وامتدت إلى جبل طارق، وإلى نهر السند، وإلى طاشقند، وإلى جنوب أفريقيا، سبب تزعزعها وسقوطها تأخر الصلاة، فكانوا يؤخرونها إلا عمر بن عبد العزيز، دخل عليه عروة بن الزبير، قال: حدثني فلان، عن أبي مسعود البدري {أنه صلى جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم في أول الوقت، ثم صلى به اليوم الثاني في آخر الوقت} الحديث.

وهو أول حديث في كتاب المواقيت في صحيح البخاري، فقام عمر بن عبد العزيز؛ فقدم الصلاة رضي الله عنه وأرضاه، ودخل أنس دمشق، وهذه رواية الزهري، قال: [[رأيت أنساً دخل دمشق؛ فصلى مع الناس، ثم خرج يبكي، وقد وضع عمامته على وجهه، قال: والله! لقد أنكرت كل شيء مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة]] قال الزهري: وهذه الصلاة، ألستم صنعتم فيها ما صنعتم؟ أما أخرتم صلاة العصر حتى تدنو الشمس من المغيب؟

والرسول عليه الصلاة والسلام في حديث حسن، قال: {تلك صلاة المنافق} أي: صلاة العصر التي يؤخرها حتى تأذن الشمس بالمغيب، ثم يقوم ينقر أربع ركعات لا يذكر الله إلا قليلاً، تأخير الصلاة عن وقتها سواء كنت في عمل، أو وظيفة، أو مكتب، أو فصل دراسي، ممنوع، إذا سُمع داعي الله عز وجل فلو تغيرت الدنيا وفلكها ومجرتها، ولو أتت الشمس من الغرب، لا بد من أمر الله!

الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستقبل الوفود، وكان يجلس مع الناس؛ فإذا سمع الله أكبر قام وفض اجتماعه عليه الصلاة والسلام، كان يتكلم مع أهله فإذا سمع الله أكبر أسقط ما بيده، كان يقطع معهن اللحم، وكان ربما صلى الله عليه وسلم يقوم على الخدمة فإذا سمع الله أكبر قام يقول: {أرحنا بها يا بلال} وهي إراحة الهموم والغموم والأحزان والأوصاب.

فقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا

توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبواب الجنان الثمانيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>