جاء في تفسير ابن أبي حاتم بسند جيد، أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج ذات ليلة من الليالي، بعد أن أظلم الليل، فمرَّ ببيوت الأنصار يستمع كيف يقرءون القرآن، يوم كانت بيوتهم حية بكتاب الله، حين لم تكن تعج بالأغاني المائعات الماجنات، وبالمغنين والمغنيات، يوم كان ليلهم تعبداً، ونهارهم سجداًَ، يوم كانوا عباداًَ لله في الليل والنهار، خرج عليه الصلاة والسلام يتفقد أصحابه، وينظر ماذا يفعلون في الليل الدامس، فسمع عجوزاً تقرأ:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[الغاشية:١] فوقف صلى الله عليه وسلم يستمع إليها وهي لا تدري، تبكي وتردد:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[الغاشية:١] فأخذ يبكي معها ويقول: {نعم أتاني، نعم أتاني} وهو المخاطب بحديث الغاشية، وهو المنزل عليه حديث الغاشية.
وعند البخاري:{أنه صلى الله عليه وسلم سمع أبا موسى الأشعري يقرأ ذات ليلة من الليالي -وصوته حسن يخلب العقول، ويسري في الأرواح، ويجذب الأنفس إلى الله الحي القيوم- فوقف صلى الله عليه وسلم يستمع لتلاوته وأبو موسى لا يشعر، ولما أصبح الصباح قال له صلى الله عليه وسلم: لو رأيتَني البارحة وأنا أستمع إلى تلاوتك، لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود، فيقول أبو موسى: أئنك كنتَ تستمع لي يا رسول الله؟ قال: إي والله.
قال: والذي نفسي بيده لو أعلم أنك كنت تستمع لي لحبَّرتُه لك تحبيراً}.