للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ترك الاعتراض الصامت على القضاء]

وبعضهم لا يتكلم، لكن من داخل نفسه يعترض على القضاء والقدر، حتى قال ابن الجوزي: قوله حتى يموت: رضيت وسلمت، لكن في داخله لا رضي ولا سلم أبداً.

سمعت أن أحد الناس في بعض البوادي كانت له طفلة صغيرة، ولجاره تسع بنات، فمرضت بنته وَمَرَّضَهَا، وقد كان مشفقاً عليها لأنه رزقها بشق الأنفس، كانت امرأته عقيماً، ثم رزقه الله هذه الطفلة، والله الحكيم هو الذي يأخذ ويعطي ويتصرف في الكون ونحن ودائع عنده، له أن يأخذ الوديعة متى شاء {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] فلا أحد يسأل الله، فيقول له: لماذا قدمت هذا وأحييت هذا، أو نجحت هذا، أو رسبت هذا، أو أفقرت هذا، أو كبرت هذا، أو صغرت هذا، فهو له الحكمة فهو الحكيم نحن عبيد والعبد لا يسأل سيده، بل يسلم ويؤمن ويصدق ويتبع.

فمرضت هذه البنت، ولما أشرفت على سكرات الموت خرج من بابه والتفت إلى السماء وقال: أما فلان لأن عنده تسع بنات فلا تستطيع تأخذ منهن بنتاً، أما أنا فعلي، لأنها بنت واحدة أخذتها، فنسأل الله العافية والسلامة، ونسأل الله أن يتوب علينا.

فبعض الناس لا يتكلم وتراه من داخله يتطاحن.

حتى إن بعضهم الآن يرسب في مستويات حتى جامعية، فيتطاحن من داخل ويغضب، وتجده أحياناً يؤخر الصلاة كالمغضب على الله، في أيام الامتحان يقوم قبل الفجر بنصف ساعة، والآن انظر إلى الطلاب إذا أتت الامتحانات، فهم في صلاة الفجر في الصف الأول مع الدعاء والابتهال: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:٦٥] فإذا طلعت النتيجة تركوا المساجد إلا من رحم ربك، فقد أثرت النتيجة في عمله فلا يندفع إلى المسجد، وتجده لا يقرأ القرآن، تقول: لماذا؟ يقول: أنت ما قرأت النتيجة! فكأنه يعترض على الله من داخله.

أيها الناس! هذا موجزٌ بسطته للمقصرين من أمثالي حتى يعرف هذا الدين وأسأل الله أن ينفع به.

في المحاضرات السابقة والدروس كنا نتوسع في الجزئيات والمصطلحات والنقولات، ولطلب كثير من العلماء وكثير من الفضلاء عُرض هذا العرض، فإن وفقت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، ثم اعلموا أنني أشكر الله عز وجل على أن سهل هذا الاجتماع وعلى أن علمنا ديننا، وأشكركم على حضوركم، ولا أنسى أن أشكر المشايخ الأساتذة في جامعة الإمام بكلية الشريعة وأصول الدين، والأساتذة في مدرسة تحفيظ القرآن الذين نفعوا ببعض الملاحظات وبعض الاقتراحات في هذا الدرس، أسأل الله أن يثيبهم جميعاً وأن يثيبكم، وما بقي من الوقت فللأسئلة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>