للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه]

أتته شهادته وهو يقرأ القرآن على فراش الموت، عاش ثمانين سنة كلها في سبيل الله، وثار عليه ثوار والله الحكم العدل يحكم بين عباده في مقعد صدق عند مليك مقتدر؛ في يوم العرض الأكبر: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

صام في آخر يوم من حياته لله عز وجل، وكان كثير الصيام، ونام قبل العصر فاستيقظ وقال لأهله: أنا أفطر في الجنة إن شاء الله هذه الليلة، قالوا: كيف؟ قال: رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر فقال لي صلى الله عليه وسلم: يا عثمان! سوف تفطر عندنا الليلة، وبعد صلاة العصر بدأ الهجوم واقتحام منزله رضي الله عنه من ثلة من الثوار المتمردين على الدولة الإسلامية من مصر، من لفائف وسفل وثوار ومتمردين مشاغبين، تجمعوا ثم اقتحموا منزله، وكانوا قبلها بيوم منعوا عنه الطعام والشراب، وحاصروه وكان صائماً فرئي كما في السير أنه قال: أتيت بدلو ماء بارد فشربت وأنا في النوم حتى رويت، وأما في اليوم الآخر من حياته رضي الله عنه فاقتحموا منزله ودخلوا عليه وهو يقرأ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٣٧] حتى وقعت دماؤه على هذه الآية، ضرب بالسيف على رأسه، ما قاتل أبداً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا عثمان! إنك سوف تقمص قميصاً فإذا أراد الناس أن تنزعه فلا تنزعه} والقميص هي: الخلافة، وقال بعض أهل العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاه قال: لا تدافع عن نفسك، كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، فما دافع، وقال للحسن بن علي والحسين وعبد الله بن الزبير وهم يذبون عنه: أسألكم بالله إن كان لي عليكم طاعة فإني أمير المؤمنين أن تتركوني وتتركوا الناس، ولن أدافع عن نفسي، فاقتحموا عليه فضربوه بالسيف فرفع صوته فقال: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٣٧] وسالت دماؤه على المصحف، يقول أحمد شوقي:

جرحان في كبد الإسلام ما التأما جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي

يقول: جرحان في الإسلام ما التأما، جرح عثمان وجرح القرآن في كبد الأمة الإسلامية لم يلتئم بعد.

ولف رضي الله عنه ودفن ليلاً في البقيع ولم يكن في مقبرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو قريباً من الغرفة التي دفن فيها صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا متقاربين متجاورين، القبر الأول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن عند أكتافه يبدأ رأس أبي بكر ومن عند أكتاف أو صدر أبي بكر يبدأ عمر، وأتي ب عثمان ليدفن هناك فمنع الثوار دفنه فدفن في البقيع.

وفي البخاري من حديث سعيد بن المسيب أن أبا موسى قال: {خرج صلى الله عليه وسلم فالتمسناه أين يذهب قال: فوجدناه قد خرج إلى مزرعة رجل من الأنصار فأتيت فوجدته قال: فدخلت وراءه وقلت: لأكونن حارس رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، لا يدخل أحد إلا بإذن، وهو وحده صلى الله عليه وسلم قال: فأتى إلى بئر رجل من الأنصار فدلى رجليه في البئر وجلس عليه الصلاة والسلام.

قال: ولما جلست عند الباب قلت: يا رب! تعال بأخي أبي عامر، عله أن يدرك شيئاً أو دعوة في هذه الخلوة، قال: فإذا بطارق يطرق قلت: من؟ قال: أبو بكر، قلت: انتظر أستأذن لك من رسول الله، قلت: يا رسول الله! أبو بكر، قال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فأذنت له فأتى على يمين الرسول عليه الصلاة والسلام فدلى رجليه في البئر كما فعل صلى الله عليه وسلم، -لأنهم يشاركونه في الحركات والسكنات لأنه المعلم العظيم- قال: فطرق الباب طارق، قلت: من؟ قال: عمر بن الخطاب - انظر إلى هذين يعيشان سواء، شيخا الإسلام، هذا الأول وذاك الثاني دائماً؛ حتى وضع حجر أساس مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أتى صلى الله عليه وسلم بالحجر فوضعها فقام أبو بكر فوضع الثانية وعمر وضع الثالثة فعرف الناس أن رجل الساعة أبو بكر ثم عمر وهكذا قال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فأذنت له، فأتى حتى جلس عن يسار الرسول صلى الله عليه وسلم فدلى رجليه في البئر، قال: فإذا بطارق قلت: من؟ قال عثمان، قلت: انتظر استأذن لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاستأذنت له فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه.

قال: فأتيت فقلت: ادخل يبشرك الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، قال: الله المستعان} -وهي في صحيح البخاري، وهي كلمة حارة ومحزنة، (الله المستعان) أي: لا يستعان إلا بالله عز وجل- فدخل القف -هكذا يسمى- فوجده قد امتلأ فأتى فقابل الرسول عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر ثم دلى أرجله مقابلاً لهم.

قيل لـ ابن المسيب: فما أولت ذلك؟ قال: قبورهم، وأصاب فإنهم مجتمعون في مكان واحد وهو نازح في البقيع رضي الله عنه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>