ثم أتت البدع تجوب وتنتشر في الجزيرة العربية، فقيض الله محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فهو شيخ الإسلام، وهو تلميذ لكتب ابن تيمية حتى يقول أحد المستشرقين: مع ابن تيمية ألغام في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى اليوم.
وكانت رسالة محمد بن عبد الوهاب على شقين: شق علمي تدريسي تنظيري منهجي للناس، وشق عامري ميداني بالسيف.
وكان ناصره العالم السني محمد بن سعود، وهذه الجهود تحسب له، والمحسن نقول له: أحسنت، والمسيء نقول له: أسأت، وقام على دحض البدع، وكان من عواملهم: تعليم وتفهيم الناس، وبث الأمهات في الناس، وتعليم كتب ابن تيمية وابن القيم في المساجد، وفي المهاجر والقرى، حتى وصلت دعوته إلى الهند وزنجبار وغرب إفريقيا {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً}[الأحزاب:٦٩].
ومن الخصوم الذين قاموا عليه: الدولة العثمانية، وهذه الخلافة خيرها -إن شاء الله- أكثر من شرها، ولها حسنات، ولكنها أخفقت في هذا الجانب يوم أن سمحت للبدع أن تنتشر، بل وجد من حكامها خرافيون، ونحن نقول الحقيقة والتاريخ، والإنسان عليه أن يتلقى الحقيقة.
نحن نقول: إن هذه الخلافة أمسكت على ضميمة المسلمين، وجمعت شملهم، وجاهدت في سبيل الله، ورفعت لا إله إلا الله، وردت اليهود عن فلسطين في فترة السلطان عبد الحميد، وقاتلت روسيا في سيبيريا وغيرها، ولكنها أخفقت يوم أن سمحت للرأي الفكري الابتداعي أن ينتشر في بلاد المسلمين، وكانت بعض الكتب التي استهزأت بـ أهل السنة، وبـ السلف الصالح والمحدثين كانت تطبعها الدولة العثمانية، وتولي هؤلاء العلماء القضاء والمدارس والمظالم، فكان هذا جانباً مخفقاً ومظلماً في الخلافة العثمانية.