عاش رضي الله عنه وأرضاه حتى كان الناس يتشفعون به في حوائجهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فقد كان يقبل منه لأنه كان قريباً منه, ومن ضمن الشفاعات التي شفع فيها أسامة بن زيد: القصة التي في الصحيحين عن عائشة في قصة المخزومية التي سرقت، وهي امرأة من بني مخزوم, وبنو مخزوم أسرة أبي جهل وخالد بن الوليد، كان الناس يمشون على الأرض وهم يمشون في الهواء من الكبر, حتى يقول معاوية رضي الله عنه:[[لا تجدوا مخزومياً إلا متكبراً إلا من أصلحه الله بالإسلام كـ خالد]] أما هم في الجاهلية فما كانوا ينظرون إلى الناس, أسرة قوية كانوا يكسون الكعبة سنة, وقريش كلها تكسوها السنة الأخرى, كان الذهب عندهم يقسم بالفئوس, فلما أتى الإسلام أتت امرأة منهم كانت ذكية، تستعير الحلي من جارتها من ذهبها وفضتها، فإذا مكثت عندها شهراً جحدت، وقالت: ما استعرت منك شيئاً, فطال الأمر وانتشر الخبر بين الناس, وفي الأخير شكوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فأتي بها، فأقرت واعترفت أنها كانت تستعير الحلي وتجحده، فقال صلى الله عليه وسلم:{لا بد من قطع يدها} فسمع بنو مخزوم فقامت قيامتهم, قامت الحرب العالمية الثالثة!! قالوا: كيف يقطع يد امرأة منا؟ كيف نخرج عند العرب بعدها؟ وكيف نجالس؟ ومن الذي سوف يرفع لنا ذكرنا بعدها؟ فأرادوا التوسط في القضية, فقالوا: لا نرى إلا أسامة بن زيد ذاك الشاب الحبيب عند الرسول صلى الله عليه وسلم, فورطوا أسامة رضي الله عنه وأرضاه, فتورط وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:{يا رسول الله! أرى أن تسامح وتعفو عن المخزومية، فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول؟ قال: أرى أن تعفو عن المخزومية، قال: التي تجحد العارية؟ قال: نعم.
قال: أتشفع في حدٍ من حدود الله؟ ثم تغير وجهه صلى الله عليه وسلم، وأخذ يرفع صوته على أسامة , ثم جمع الناس وارتقى المنبر، وقال: أيها الناس: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد -وحاشاها أن تسرق- سرقت لقطعت يدها} ثم قام صلى الله عليه وسلم فنفذ فيها الحكم.
واستمر أسامة، ثم توفي رضي الله عنه وأرضاه فيما بعد، وقد رزقه الله المراتب العالية في خدمة هذا الدين, وشَّرفه، ورفع ذكره, وأخفض الله ذكر أعدائه من أبي جهل وأبي لهب، فلا يذكرون أبداً إلا بالخسة والحقارة والمهانة.