للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معنى (أمةً وسطاً)

يقول الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣] فما معنى الوسط؟ وما مدلولها؟ وما حدها ومقدارها؟

الجواب

الوسطية: مدار دلالتها عند أهل التفسير على ثلاث معانٍ:

قيل: العدول.

وقيل: الخيار.

وقيل: المتوسطون في أمورهم.

وكأن المعنى الأخير، وهو التوسط في الأمور هو المقصود، أو القريب من المقصود إن شاء الله، فنحن أمة وسط.

وسط في المعتقد، فلسنا بالأمة التي تلغي اعتقادها، ولا تؤمن بإله كأهل الإلحاد والوثنية، وأهل الفكر العفني المتخلف الذين كفروا بالإله، لا إله إلا هو {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:٦٥].

ولسنا بالأمة التي ضاهت أهل الحلول والاتحاد، فجعلت كل مطعوم ومشروب ومحبوب ومنكوح ومرغوب إله كما فعل ابن عربي في فتوحاته وفصوصه، وأتباعه قاتلهم الله أنى يؤفكون، بل نحن نشهد أن لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله، ولا معبود إلا الله، ولا محبوب، ولا مرغوب، ولا مرهوب، ولا مطلوب إلا الله، فلا إله إلا هو، هو إلهنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنحن في المعتقد وسط بين الفريقين وبين الواديين، ووسط في الفن والجمال.

فلسنا بالأمة البليدة الغبية، التي تتنكر للحب والجمال، والله جميل يحب الجمال، جمَّل الكون، وجمَّل المخلوقات، ولسنا بالأمة المفتونة التي ترقص على الجمال، وتعبد الجمال، وتسجد للجمال! إننا أمة تحب الجمال إذا سقاها هذا الحب إلى مرضاة الله تبارك وتعالى حب حلال مباح، يقوم مقدرات العبد في الحياة، ويرغبه فيما عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

ونحن أمة وسط، وسط في التفكير، فلسنا بالأمة التي تعيش مع الخيال، فلسفية الفكر كـ سقراط وبقراط ومن سار في ركبهم.

ولسنا بالأمة التي لا تؤمن إلا بالمحسوس! فنحن أمة نفكر ولكن في نصوص، ونتدبر ولكن في قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمة تستقرئ وتستنبط، لكن في كلام وحي يوحى من الله تبارك وتعالى.

وأمة وسط في الزمن، فلسنا بالأمة التي تقدمت وأتت في أول مسيرة التاريخ، فكانت عرضة للتجارب الضحلة، عديمة الاستقراء، قليلة العلم! لا، ولسنا بالأمة الأخيرة التي كانت خاتمة للأمم، فلم يكن بعدها جيل يستفيد من ركبها، لكن توسطنا الزمان نستفيد من القديم ونبني عليه، ونبني للمستقبل ونعطيه ونبذل له.

العجيب والطريف أننا وسط في المكان، فما عشنا وراء المحيطين، ولا وراء القطبين، بل عشنا وسط الدنيا، ووسط الكرة الأرضية من أم القرى التي سماها الله في القرآن أُماً، والأم هي: المتوسطة للأشياء توزع الهداية للناس، ونحن في وسط الدنيا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>