ومن الهمم العالية التي أوجدها بعض دعاة الصحوة ورواد الصحوة جهاد الأفغان، فهم قوم بسطاء، لكنهم عمالقة في اليقين والتوكل على الله، خرجوا إلى المستعمر الأحمر الذي أتى بطائراته بصواريخه وبدباباته وقصف الأرض، وأشعل السماء، هدم المساجد وقتل الأطفال، أزهق الأنفس وسحق النساء، عذب الشيوخ وحمل أكبادهم على النار، قال لهم الناس: تعالوا إلى هيئة الأمم واشكوا حالكم، قالوا: آمنا بالله وكفرنا بـ هيئة الأمم، قالوا: إلى جنيف، قالوا: آمنا بالله وكفرنا بـ جنيف، وخرجوا على المستعمر بالكلاشنكوف يكبرون ويهللون، فسحقوه وأذلوه أمام العالم وأرغموه على الخروج.
يا أمة المجد والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا
كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان
فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ
هي من الهمة التي يريدها عليه الصلاة والسلام ألا يستخذي المسلم للمستعمر، وألا يعبد بطنه، وألا يعبد فرجه، وألا يعبد مغرياته وشهواته {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} لأنه ما عرف الحياة، ما عرف أن الرزق بيد الله، وأن المعطي هو الله، وأن المانع هو الله، وأن المحيي والمميت هو الله، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً}[الفرقان:٣].
ألا إن ريادة هذه الصحوة أن نعود إلى تربية محمد عليه الصلاة والسلام، التربية من الكتاب والسنة، علم النفس من الكتاب والسنة، الثقافة من الكتاب والسنة، نحن نصدر ولا نستورد، نحن نعطي ولا نأخذ، عندنا ثراء، نحن أغنياء بما عندنا من أصالة، وإن الفاشل والمنهزم الذي يذهب إلى كانت وديكارت ولينين واستالين ليأخذ سلعته ويبيع دينه، يقول لسان حالهم:{إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ}[البقرة:١٤ - ١٨] ما عرفوا التربية، ما عرفوا الأصالة والعمق.
فقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها بحق في مغيب ومطلع
وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأهوائها لا تستفيق ولا تعي