هذه الأمة ناداها الله أن تقرأ القرآن في شهر رمضان، وأجزل الله لها المثوبة يوم تتدبر القرآن في شهر رمضان، يقول جلَّ ذكره:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}[فاطر:٢٩] وناداهم - سُبحَانَهُ وَتَعَالَى - بتدبر القرآن في رمضان وفي غير رمضان، فقال:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤] وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:٢٩].
فيا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! يا من جاعت بطونهم في مرضاة الله، يا من ظمئت أكبادهم لِذَات الله، يا من حرموا أنفسهم الطعام والشراب والمتعة واللذائذ، هنيئاً لكم، وزيدوا على ذلك بتدبر القرآن، فهذا شهر القرآن.
كان عليه الصلاة والسلام يوم يدخل عليه الشهر يجلس مع جبريل متعلماً ومتربياً من أول إهلال الشهر إلى آخره، فيقرأ معه القرآن آية آية، وكلمة كلمة، وجملة جملة، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يمضي ساعاته كلها مع القرآن، ويحب أن يسمعه من غيره، وأن يتلذذ بسماعه من سواه.
ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقرأ عليَّ القرآن.
قلت: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أُنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري.
قال: فابتدأت سورة النساء، فلما بلغت قوله تبارك وتعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:٤١] قال: حسبُكَ الآن.
قال: فنظرت، فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام}