للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حرب الفجار]

سميت حرب الفجار بهذا الاسم لكثرة ما وقع فيها من فجور, ولكثرة ما استحل فيها من المحارم, وهي وقعت بين قبيلتين من العرب بين قريش وكنانة من جهة، وبين قيس, وكان موقعها قريباً من سوق عكاظ , ويأتي سببها, وقد حضرها عليه الصلاة والسلام وذلك قبل أن يبعث.

ولما بلغ عليه الصلاة والسلام سنة عشرين حضر حرب الفجار، وهذه الحرب كانت بين كنانة ومعها قريش، وبين قيس, وسببها: أنه كان ١٠٠٠٢٠٠>للنعمان بن منذر ملك العرب بـ الحيرة تجارة يرسلها كل عام إلى سوق عكاظ لتباع له, هذا النعمان بن المنذر ملك من العرب؛ لكنه يتبع كسرى, فكسرى كان يتملك حتى على العرب, ذلك المجرم الدكتاتور الإمبراطور الفاجر، كان يحكم العرب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم, فما الذي حررنا؟

ومن الذي أعتق رقابنا بإذن الله؟ من الذي رفع رءوسنا؟

إنه هذا الدين ثم رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام.

هذا النعمان كان له يومان: يوم عفو ويوم قتل, فمن أتاه في العفو عفا عنه وأكرمه وأعطاه جائزة, ومن أتاه في يوم غضبه قتله, والنابغة الذبياني يُروى أنه نال من عرض النعمان بن المنذر، فوشي به إلى النعمان فأقسم النعمان أن يذبح النابغة هذا, فقال فيه قصيدة من أبدع ما يقال, يقول فيها:

أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي أهتم منها وأنصب

فبت كأن العائدات فرشن لي فراشاً به يغلو فراشي ويقشب

ثم يقول:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب

فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

فعفا عنه، هذا النعمان كان له تجارة يرسلها إلى سوق عكاظ , وكان يرسلها في أمان رجل ذي منعة وشرفٍ في قومه ليجيزها, فجلس يوماً وعنده البراض الكناني وهو فاجر من فجار العرب وخليع وماجن, وكان فاتكاً خليعاً، خلعه قومه لكثرة شره, وكان عند النعمان، عروة بن عتبة الرحال , قال: من يجيز لي تجارتي هذه حتى يبلغها سوق عكاظ؟ فقال البراض: أنا أجيزها على بني كنانة, فقال النعمان: إنما أريد من يجيزها على الناس كلهم, فقال عروة بن عتبة الرحال: أبيت اللعن -هذه كلمة تستخدم بين يدي الملوك, أي: أعوذ بالله أن أبوء بلعنة الملك- أكلبٌ خليع يجيزها لك؟ يقصد عروة بن عتبة الرحال: البراض - أنا أجيزها على الشيح والقيصوم من أهل نجد وتهامة , فقال البراض: أو تجيزها على كنانة يا عروة بن عتبة الرحال؟

قال: وعلى الناس كلهم, فأسرَّها في نفسه وتربص به, فلما خرج عروة بن عتبة الرحال ذبحه البراض , فاختصمت العرب، وأتت بين دائرة وتواعدوا, قريش وكنانة في صف وقيس في صف, واجتمعوا في سوق عكاظ، ثم تواعدوا العام المقبل أن يجتمعوا, فاجتمعوا في مكان, وقد خرجت قريش يقودها حرب بن أمية والد أبي سفيان , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم عمره عشرين سنة, حضر معهم ومع كنانة ومع أعمامه, لأن أباه قد توفي كما سلف, فلما حضر صلى الله عليه وسلم كان يعطي الأسهم لأعمامه، فاقتتلت العرب مقتلة ما سمع التاريخ بمثلها, وفي الأخير اصطلحوا وأديوا قتلاهم, وانتهى إلى هذا الحد، وقد حضرها صلى الله عليه وسلم، وهي من أشأم الحروب في حياة العرب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>