[بيان من هو أحق الناس بحسن الصحبة]
ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: باب من أحق الناس بحسن الصحبة؟ يتساءل من هو أقرب الناس وأحقهم بصداقتك وصحبتك وخلقك ودينك وبرك؟ قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، وهؤلاء الرجال أعلام.
من تلقَ منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
قال: حدثنا جرير، عن عمار بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك}.
في هذا الحديث قضايا:
أولها: أيهما يقدم في البر الوالد أو الوالدة، وهذا معترك بين العلماء وفيه ما يقارب أربعة أقوال:
منهم من قال: الوالد يقدم في الأوامر، وأما اللطف والبر؛ فتقدم الوالدة.
ومنهم من قال: يقدم الوالد في أمور مثل الحضانة والوصاية والرعاية، ولكن الصحيح الذي دلت عليه النصوص أن الوالدة تقدم، وأن لها ثلاثة أرباع الحق، وللوالد ربع.
وبعضهم قال: لها ثلثان وللوالد ثلث واحد، على الأحاديث إن كان تكرر أمك أمك أمك ثلاثاً فلها ثلاثة أرباع، وإن كان مرتين فلها الثلثان وله الثلث والثلث كثير، هذا للوالد وللأم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قدم الأم ثلاث مرات.
ثم تساءل العلماء مثلما ذكر ابن حجر، عن مسألة إذا كانت الوالدة قليلة دين، وهذا مبحث آخر، أو ناقصة تدبير، قالوا: فالرشد للوالد، لكنه يرعاها ويؤدي إليها حقها، أما الأمر للوالد، ولا خلاف بين أهل العلم على أنه إذا كان الأب مسلماً والأم كافرة -والعياذ بالله- فأن الذي يطاع ويقدم هو الأب.
في سنن أبي داود أن رجلاً أتى بابنه وقال: {يا رسول الله! أسلمت وهذا ابني يريد أمه، فدعا صلى الله عليه وسلم بأمه وهي كافرة، فقال للابن: اذهب إلى أي أبويك شئت -إلى أبيك أو إلى أمك- فأدركه الحنان فذهب إلى أمه، فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم اهده} فقبل أن يصل إلى أمه رجع إلى أبيه، فهذه دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأما مسائل الحضانة فسوف تأتي في باب مستقل، ومسائل الوصاية أمر آخر، لكن الأم تقدم بالرعاية والحق، فلها ثلاثة أرباع الحق:
قالوا: للحمل، وللولادة، وللرعاية، وللضعف، فإنها حملته وأرضعته ورعته وقامت عليه، ثم هي من أضعف الناس له، أي: من أضعف الناس لا تقوم، فحق على المسلم أن يكون ثلاثة أرباع الحق للوالدة وربعٌ واحد للوالد؛ لأن الوالد قيم؛ ولأنه قوي الإرادة؛ ولأنه ما تكلف الحمل ولا الوضع رضي الله عن سلفنا الصالح وجعلنا من المرضيين معهم، هذه مسائل هذا الحديث وليس فيها إطالة وهو شبه إرداف للحديث الذي قبله.