[نماذج من الذين أحياهم الله بنوره]
ومن الأموات الذين أحياهم الله أذكر نماذج:
عمر بن الخطاب كان ميتاً قبل الإسلام، كان يأكل ويشرب لكنه ميت، لأنه ما وصل القرآن والإيمان إلى قلبه، وروحه، وكل من لم يصل الإيمان إلى قلبه فهو ميت: (قلب لا تشرق عليه شمس الإيمان قلب ملعون، وأرض لم تشرق عليها شمس الرسالة أرض مغضوب عليها، وقلب يعتقد أنه سوف يهتدي بغير هدى الله الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام فعلى هذا القلب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
كان عمر ميتاً: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:٢٦ - ٢٧].
خرج عمر من صلب أب كافر، فلما خرج عاش شطر عمره لا يعرف شيئاً، يأكل ويشرب، لكنه ما اهتدى إلى الإيمان والحب والطموح، فلما أتى عليه الصلاة والسلام ووضع يمينه في يمين عمر انسلخت الوثنية والشرك والتخلف من كل ذرة من ذرات جسمه، وأصبح إنساناً آخر؛ قرآناً يمشي على الأرض: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢].
عمر كان قلبه قاسياً جلفاً شديداً، فلما أسلم لان قلبه بالإيمان، يصعد المنبر يوم الجمعة كما يقول أهل السير فيقرقر بطنه عام الرمادة من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر أولا تقرقر، والله! لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].
عمر رضي الله عنه وأرضاه يمر بـ أبي وهو يقرأ في سورة الصفات: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:٢٤ - ٢٥] قال: فألقى عصاه وبكى حتى أغمي عليه، وبقي شهراً كاملاً يعاد من المرض.
عمر يقول فيما يؤثر عنه: [[والله لو عثرت دابة على شاطئ دجلة -في العراق - لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة]] يقول في المسجد يوم الجمعة: [[يا أيها الناس! ما رأيكم لو ملت عن الطريق هكذا، فقام أعرابي فسل سيفه، وقال: يا أمير المؤمنين! لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم، وقال: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من لو قال عن الطريق هكذا، قالوا بسيوفهم هكذا]].
سافر إلى دمشق في طريقه إلى بيت المقدس، فقال: أين أخي؟ قالوا: من أخوك؟ قال: أبو عبيدة، فأتاه وعانقه، وقال: [[مل بنا عن الطريق نبكي أنا وإياك حياتنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام]].
قالوا لـ عاتكة بنت زيد زوجته: صفي لنا عمر، قالت: ليله أو نهاره؟ -أي: أصف الليل أم أصف النهار- قالوا: الليل، أما النهار فنعرفه، قالت: كان إذا دنا منه الليل وأتى إلى الفراش، وضع قدحاً رحراحاً فيه ماء بارد، فإذا أقبل عليه النوم أخذ من الماء فغسل وجهه فاستفاق، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قالت: فيبقى يتململ حتى ينتصف الليل، ثم يقوم يصلي ويبكي حتى الفجر، فتقول له: يا أمير المؤمنين! لو أرحت نفسك، قال: [[لو أرحتها بالنهار لضاعت رعيتي، ولو أرحتها بالليل لضاعت نفسي]] أي إنسان هذا؟! إنسان ولد مع النور، كان ميتاً فأحياه الله.
يرسل كسرى رسولاً، فيصل إلى المدينة، ويسأل عن بيت عمر، فقالوا: بيته هنا، فيذهبون معه، ويشيرون على بيت من طين، قال: أهذا بيت الخليفة؟! قالوا: نعم.
فطرقوا عليه الباب فلم يجدوه، قال: أين هو؟ قال أهله: التمسوه في المسجد، فذهبوا في المسجد فلم يجدوه، فقال: أين هو؟ فبحثوا عنه فوجدوه تحت شجرة في ضاحية من ضواحي المدنية قد نام، فقال هذا الفارسي: حكمت فعدلت فأمنت فنمت.
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها
فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها
أتته سكرات الموت، فسأل الله الشهادة قبل أن يموت، فأعطاه الله الشهادة في المحراب، صباح يوم السبت في صلاة الفجر: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٣٥].
ووصل إلى بيته وعزاه الناس في حياته، فقال ابن عباس كلمة من الكلمات النيرة التي حفظت له: [[طوبى لك يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت الخلافة فكانت ولايتك رحمة، فهنيئاً لك]].
قال وهو يبكي: [[يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]] يمر به شاب وهو في سكرات الموت وهو مطعون والدم يسري من جسمه، فيقول للشاب: تعال يا بن أخي.
يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وروحه تقعقع: [[يا بن أخي! ارفع إزارك؛ فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] وذلك لأنه يحمل الإيمان والحب والطموح.
ومن الذين أخرجهم الله من الظلمة إلى النور عبد الله بن عمرو، رجل من الأنصار والد جابر، عاش ما يقارب الأربعين سنة في الجهالة والظلمة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢] أمة لا تستحق المجد، ظالمة، ضائعة، ضالة، فأتى هذا الرجل فسمع بـ مصعب فأسلم ودخل في الإسلام، فأعطاه الله نوراً: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥] وأتى في معركة أحد فباع نفسه في قصة مشهورة، فكلمه الله كفاحاً بلا ترجمان.