للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مخالفة وفد بني تميم للآداب الإسلامية]

أخذ بنو تميم أحلم العرب وهو قيس هذا وعطارد بن حاجب خطيب العرب كان من بني تميم، وأخذوا شاعرهم وهو الزبرقان بن بدر، وأخذوا حكيمهم وهو عمرو بن الأشهل، فوفدوا سبعة، ثم طرقوا المدينة فدخلوا وقت القيلولة، والإسلام يعلم المسلم التربية الحسنة وحسن التصرف، ثلاث عورات لا يجوز الدخول فيها، قبل صلاة الفجر، وحين نضع ثيابنا من الظهيرة، وبعد صلاة العشاء، هذه أوقات لا يدخل فيها على أحد ولا يزار فيها أحد، فهي أوقات حرجة، خاصة بهدوء المؤمن وراحته مع أهله وأطفاله.

ولكن هؤلاء لم يتعلموا تعاليم الإسلام، وما سكب في أرواحهم رحيق الإيمان، وما تدربوا في مدرسة القرآن، فأتوا بعد صلاة الظهر السبعة، وأتوا يصيحون من وراء الحجرات: يا محمد! يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا، فما سمعوا راداً يرد، وفي الأدب المفرد للبخاري: {من بدا جفا} وقال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [التوبة:٩٧] لأنهم تربوا مع التيوس والكلاب، ولذلك يقول الشاعر علي بن الجهم لما دخل على المتوكل يمدحه، وكان ابن الجهم بدوياً:

مرحباً مرحباً قليل الخطايا من كثير العطا قليل الذنوب

أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب

فأرادوا قتله، فقال المتوكل: اتركوه، وأنزلوه في الكرخ سنة، وهو بلد جميل فياض ناعم في حضن بغداد، وفيه نهر دجلة يعانق نهر الفرات، فأنزلوه سنة ثم أتى بعد سنة، فاستفتح قصيدته الرائعة، التي يقول في أولها:

عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

وهي طويلة، والمقصود أنهم أهل جفاء فقالوا: يا محمد! اخرج إلينا، فمدحنا زين وذمنا شين، فقال عليه الصلاة والسلام: {ذلك هو الله} أي: إن الله إذا مدح مدح، وإذا أثنى أثنى، وإذا ذم ذم، فالممدوح من مدحه الله، والمذموم من ذمه الله، والمحبوب من أحبه الله، والمكروه من كرهه الله، ثم أنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:٤ - ٥] ومع ذلك فالله يغفر ويرحم

فخرج صلى الله عليه وسلم ورأي هذا الوفد وكأنهم النجوم، خيرة قومهم وقاداتهم، الواحد منهم يستطيع أن يقود قبائل من الناس.

من تلقَ منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد الإسلام، ولكن قبل أن نسلم بين يديك نشترط عليك شرطاً، قال: ما هو الشرط؟ قالوا: لا نسلم حتى نفاخرك وتفاخرنا، قال: كيف؟ قالوا: يأتي شاعرنا يفاخر شاعرك، وخطيبنا يغالب خطيبك، فمن غلب رأينا ذلك، وهذه سنة الجاهلية، إذا وفدوا عند الملوك تمادحوا وتفاخروا في حلبة المصارعة، ليروا المنتخب الذي يفوز بين يدي الناس حتى يرى الناس فضله.

قال عليه الصلاة والسلام: حيهلا وسهلا، الأمر سهل، عنده خطيبٌ يمكن أن يدمرهم تدميراً، وعنده شاعر حسان بن ثابت لا يبقي في ميدانهم عوجاً ولا أمتاً، فنازلهم صلى الله عليه وسلم، وهذا عقد له البخاري أبواباً، وهو في أسد الغابة لـ ابن الأثير بأسانيد ثلاثة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>