[الإسراء والمعراج]
ومن معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام معجزة الإسراء والمعراج، بات عليه الصلاة والسلام في بيته في مكة، نام على فراشه، فأتاه جبريل، وقال: إن الله يأمرك أن تتهيأ ليسرى بك إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى السماء السابعة ليكلمك الله، فتهيأ عليه الصلاة والسلام، وركب البراق، وهو دابة تشبه الفرس، تضع حافرها عند انتهاء بصرها، وذهب معه، فقطع مع جبريل مئات الأميال في لحظة من ليلة، فوصل بيت المقدس، فدخله في الليل، أول دخوله إلى القدس، إلى القدس السليب، إلى القدس الذي ضيعه المسلمون يوم ضيعوا لا إله إلا الله.
فدخل صلى الله عليه وسلم وربط الفرس، فجمع الله له الأنبياء والرسل كلهم -كما يقول ابن كثير وغيره- فلما التفتوا من يصلي بهم قدَّموا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم ركعتين.
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم
كنت الإمام لهم والجمع محتفلٌ أعظم بمثلك من هاد ومؤتم
لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر، أو كالجند بالعلم
حتى بلغت مكاناً لا يطار له على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل: كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم
فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من الركعتين، نظر إلى وجوه الأنبياء والرسل، إلى أفضل من خلق الله، وأشرف من خلق الله، وأصدق من بعث الله، فأراد أن يسألهم كما قال الله له في سورة الزخرف: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:٤٥] أراد أن يسألهم فرأى الجلالة، ورأى الصدق والإخلاص في وجوههم فاكتفى بالمنظر عن السؤال.
ثم صعد هو وجبريل عليهما السلام إلى السماء الدنيا، وبينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام، وجرم السماء خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، فطرق جبريل، فقيل له: من؟
قال: جبريل وعرفوه، قالوا: من معك؟
قال: محمد عليه الصلاة والسلام، ومر عليه الصلاة والسلام بإخوانه الأنبياء والرسل، يسلم عليهم واحداً واحداً، رأى يوسف عليه السلام، وقد أوتي شطر الحسن، ورأى يحيى بن زكريا، ورأى آدم في سماء الدنيا، وعن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة يلتفت إلى اليمين فيضحك، ويلتفت إلى اليسار فيبكي، فقال لجبريل: من هؤلاء؟
قال: أما الذين عن يمينه فأهل الجنة، وأما الذين عن يساره فأهل النار نعوذ بالله من أهل النار، ورأى هارون، ورأى موسى في السادسة، فسلم عليه وكلمه، ورأى إبراهيم أبا الأنبياء في السابعة، فكلمه وآنسة ولاطفه حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى بساط حديث القدس، ولم ير ربه، قيل له: {هل رأيت ربك يا رسول الله؟ قال: نور أنى أراه} وكلمه الله، وفرض عليه الصلوات الخمس، الصلوات الخمس كانت خمسين، فاستحيا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه، فلمَّا عاد إلى موسى في السادسة، قال: كم فرض الله عليك؟
قال: خمسين صلاة، قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، وقد جربت أنا بني إسرائيل بأقل من ذلك، فعد إلى ربك، فراجع صلى الله عليه وسلم ربه حتى خفف الله علينا إلى خمس صلوات، فهي في الأجر خمسون، وأما في العمل فهي خمس، فجزى الله موسى عنا خير الجزاء.
ورأى صلى الله عليه وسلم الجنة والنار، وعاد إلى الدنيا، عاد إلى مكة، عاد إلى بيته في مكة، وأمسى في فراشه، وفي الصباح خرج يصلي صلى الله عليه وسلم فاجتمع كفار قريش يتضاحكون يقول أبو جهل: ماذا حدث لك يا محمد البارحة؟
يستهزئ ويستهتر ويضحك، ولكن سيعلم الظالمون لمن عقبى الدار، فقال عليه الصلاة والسلام: حدث البارحة أمر عجيب عظيم، قالوا: ماذا حدث؟
قال: أسري بي إلى بيت المقدس في فلسطين، وصليت بالأنبياء، فتمايلوا من الضحك، وانظروا إلى مرارة الموقف، ومرارة التكذيب، والرسول صلى الله عليه وسلم فريد غريب ما له ناصر إلا الله، ولا له مؤيد إلا الله، يضحكون عليه، فيقول أحدهم وكان شيخاً كبيراً في السن أظنه الوليد بن المغيرة قال: يا محمد! ما جربنا عليك كذباً، إن كنت صادقاً وأنه أسري بك؛ فنحن نعرف بيت المقدس سافرنا إليه في التجارة، وعرفناه باباً باباً، فصِفْ لنا بيت المقدس وذهابه صلى الله عليه وسلم كان في ظلمة الليل الدامس، ولم ير الأبواب كلها، ولم ير النوافذ والسواري، فعرق صلى الله عليه وسلم، وأصابه من الكرب ما الله به عليم؛ لأنه إذا لم يستطع فمعناه أنه يكذب!
وكيف يكذب على الدنيا وعلى المعمورة؟! فقرب الله له بيت المقدس حتى رآه في ناحية الحرم، فأخذ يصفه باباً باباً، ونافذةً نافذةً، فقال: والله ما زدت ولا نقصت شيئاً.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: سوف تقدم قافلتكم غداً التي أرسلتموها للتجارة غداً يتقدمها جمل أورق، عليه غرارتان، ورعى منكم رعيان في وادي كذا وكذا، وسوف يقدمون غداً، وقد انكسرت رجل ناقة من نوقهم، وانتظروا الصباح، فقدمت القافلة، وعليها الجمل الأورق وعليه غرارتان، وأتى رعيان الإبل، فسألوهم ماذا حدث؟
قال راعٍ منهم: انكسرت رجل ناقتي {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:١٥] وهذه ثلاث معجزات من ألف معجزة للرسول عليه الصلاة والسلام.
لقد شهدت السماء بنبوته، ولقد شهدت الأرض برسالته، ولقد آتاه الله من الآيات والمعجزات ما هو كفيل بدمغ كل مفترٍ على الله، ودجال على الله {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:٣٣].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.