نرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا الطريق إلى الزهد في هذه الحياة من جميع النواحي، خاصة سكان الجبال وأنت تعلم مساكنهم؟
الجواب
سكان الجبال وغيرهم يطلب منهم الإعراض عن الحياة الدنيا، وأخذ الدنيا طريقاً إلى الله عز وجل، وأحسن من عرف الزهد في الإسلام فيما أعرف ابن تيمية يقول: الزهد ترك ما لا ينفعك في الآخرة.
أما ما ينفعك في الآخرة فليس تركه من الزهد، والزهد -أيها الإخوة- إنما مدحه الله عز وجل وأثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجة بسند حسن من حديث سهل بن سعد لما جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:{يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وعند البخاري من حديث ابن عمر قال: {أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} إذا علم هذا، فأحسن الزهد أن تترك كل ما يشغلك عن طاعة الله عز وجل، وكل شيء يشغلك أو يدخل العجب والزهو عليك أو يؤخرك عن الطاعة فاتركه، أما ما يعينك على طاعة الله عز وجل فتركه ليس من الزهد، فمثلاً إنسان عنده سيارة توصله إلى متطلباته، وتقضي له أعماله، وتخفف عليه الذهاب والإياب فإن تركها ليس من الزهد، بل بقاؤها عون له على طاعة الله، أو مثلاً إنسان عنده بيت وسيع يستقبل إخوانه وأرحامه وضيوفه وأقاربه فتركه والتخلي عنه ليس من الزهد، أو رجل يلبس لباس الجمال يريد بذلك إظهار قوة الدين، وروعة وجمال الدين، وإظهار نعمة الله عز وجل فإنه في الحديث الحسن:{إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده} إذاً ليس ترك ذلك من الزهد، فأنت تترك ما يشغلك عن طاعة الله، وبعضهم -كما فعل الغزالي - قسم الزهد إلى ثلاثة أقسام: زهد العوام، وزهد الخواص، وزهد خواص الخواص، فهذا التقسيم من كيس الغزالي، زهد العوام يقول: في الحرام، وزهد الخواص في المباحات، وزهد خواص الخواص في كل شيء إلا في قدر ما يقوت العبد أو كلام يشبه هذا، لكن الأحاديث تبين أن كل ما يشغلك فاتركه واستعن بكل ما يقربك من الله عز وجل.